من المهم التأكيد على النهج الإصلاحي الذي تتبناه الحكومة في أعمالها بشكل عام، وإعادة دراسة الأنظمة وتحديثها وفق ما تقتضيه مرحلة البناء الحالية، المؤطرة برؤية المملكة 2030. فالأهداف العظيمة تحتاج دائمًا إلى تجهيز البنية الحاضنة وتهيأتها لتتماهى مع احتياجاتها الرئيسة، وفي مقدمها التشريعات والأنظمة. وعندما تتداخل مخرجات الرؤية الإصلاحية بين القيادة، والمسؤولين المعنيين بمؤسساتهم ووزاراتهم الحكومية، بحيث تنساب التدفقات المعرفية ورؤية الإصلاح في إتجاهين متقابلين، تكون قاعدة الإصلاح والتحديث أكثر متانة وتوافقًا مع المتطلبات الوطنية والعالمية، خاصة عندما تبنى دراسات التحول والتغيير على الممارسات الدولية، وبرؤية وطنية تضمن التوافق بينها وبين البيئة المحلية. يُحسب للقيادة رؤيتها المنفتحة في تعاملها مع اقتراحات تحديث الأنظمة، وتبنيها للاقتراحات الإيجابية الملحة، والمتوافقة مع الممارسات الدولية، وإصرارها على النهج الإصلاحي. كما يحسب لمعالي محافظ البنك المركزي السعودي، وفريق عمله، المبادرة بطرح رؤية التغيير وفق دراسة علمية موسعة أخذت في الاعتبار أفضل الممارسات الدولية في قوانين البنوك المركزية.
يمكن النظر إلى موافقة مجلس الوزراء السعودي على نظام البنك المركزي السعودي ضمن الجهود الحكومية الموفقة والمباركة لتحديث الأنظمة التي مضى على إقرارها عقود من الزمن، ومنها نظام مؤسسة النقد الصادر عام 1377هـ، وبما يتوافق مع الممارسات العالمية المتبعة في البنوك المركزية، ومتطلبات العصر والمتغيرات المالية والاقتصادية العالمية، ورؤية المملكة 2030 التي شددت على أهمية برنامج تطوير القطاع المالي وبما يضمن بعده الدولي وتحوله إلى القطاع المركزي في المنطقة. خطوة مهمة للفصل التام بين السياستين النقدية والمالية، وتعزيز الحوكمة، وتحديد علاقة البنك المركزي بالحكومة والجهات الدولية وإطلاق يده للعمل بفاعلية واستقلالية في رسم السياسة النقدية واختيار أدواتها وإجراءاتها، وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني وممارسة دوره الفاعل في التنمية التي ستعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص المرتبط بالقطاع المالي وسياساته التمويلية المؤثرة في الاستقرار المالي.
أجزم أن النظام الجديد تعامل بشمولية مع التحديث المطلوب المتوافق مع الحاجة ومتطلبات العصر ومنظومة البنوك المركزية العالمية؛ وإن كنت أشدد على جانبين رئيسين، الأول أهمية مرجعية البنك المركزي السعودي التي أصبحت مرتبطة مباشرة بمقام الملك، ما يعزز من استقلاليته التامة واستقلالية سياسته النقدية، وهذا أمر مهم في حوكمة البنوك المركزية المتبعة في جميع دول العالم، والتي تشدد عليها المنظمات الدولية المعنية، بل إن تداخل الصلاحيات يتسبب دائمًا في ضعف المخرجات، ويُخل في متطلبات التمثيل الخارجي، بسبب المرجعية، وقد يحدث ضررًا بالقطاع المالي، أو حين التعامل مع اللجان الوزارية المقرة للأنظمة الدولية ذات العلاقة بالبنوك المركزية والقطاع المالي.
والثاني اعتماد مسمى البنك المركزي السعودي بدلاً من الاسم القديم (مؤسسة النقد العربي السعودي). الأكيد أن استخدام اسم (بنك) في العام 1377 يُعد من المحرمات، برغم أهميته القصوى للدولة، لذا توافقت التسمية القديمة مع الرؤية السائدة محليًا، وهذه حكمة ساهمت في خلق البنك المركزي وفرض سياساته وأدواته النقدية بمسمى متوافق مع الرؤية المجتمعية السائدة. أما اليوم فالوضع بات مختلفًا خاصة في بعده الدولي الذي يتعامل بدقة مع المصطلحات العالمية والممارسات الدولية والمقاربة الدائمة بين الاسم وطبيعة أعمال المنشأة. فغالبية وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية الأخرى تضطر إلى أن تُقرن اسم (مؤسسة النقد) في تقاريرها بتعريف (البنك المركزي) للتمييز بينه وبين المؤسسات المالية التي تُشرف عليها البنوك المركزية. الاحتفاظ باختصار (ساما SAMA) للدلالة على البنك المركزي السعودي أمر لافت، خصوصًا أن مختصر الاسم بات كعلامة تجارية أكثر شهرة واستخدامًا من (مؤسسة النقد) ما استوجب الاحتفاظ به، وهو اختصار يمكن أن يربط بين الاسمين، القديم والحديث.
نقلا عن الجزيرة
طالما الفصل في المنازعات المصرفية تابع لهم فلن تتحسن احوال العمل البنكي.