هل من حاجة إلى متعهدي تغطية الاكتتابات؟

25/10/2020 1
د. فهد الحويماني

تغطية الاكتتابات في سوق الأسهم السعودية عملية مربحة للغاية، تصل أحيانا إلى 7 في المائة من قيمة الطرح، وربما أكثر، وتختلف هذه النسبة حسب وضع كل شركة مطروحة وما إذا كان طرحا أوليا أو اكتتابا في زيادة رأس المال. على سبيل المثال، كي تطرح شركة أسهمها للحصول على مبلغ مليار ريال، قد يجني متعهد التغطية 30 أو 40 أو 50 مليون ريال.

السؤال: مقابل ماذا يحصل متعهد التغطية على تلك الأموال المهولة؟ وماذا يقدم بالضبط؟ وهل عمله ضروري حيث لا يمكن أن يتم طرح أولي أو رفع رأس المال دونه؟

بحسب قواعد التسجيل والإدراج، يحب أن يكون هناك متعهد للتغطية بالكامل، لكن حصل بعض الاستثناءات من قبل، كما حصل مع البنك الأهلي، حيث لم يكن هناك متعهد بالتغطية. كذلك هناك فرق بين دور متعهد التغطية في الطرح الأولي، الذي يحدث مرة واحدة في عمر الشركة، ومن خلاله يتم إدراج أسهم الشركة في السوق المالية، ودور متعهد التغطية لشركة قائمة تقرر زيادة رأسمالها من خلال طرح أسهم إضافية تعرض على الملاك الحاليين للشركة. هذا الفرق مهم جدا لما له من تأثير في مسؤولية متعهد التغطية ومدى المخاطرة التي يتلقاها.

لكن بشكل عام، متعهد التغطية ملتزم بشراء أي عدد من الأسهم المتبقية التي لا يكتتب بها أحد، ويكون التزامه بشرائها بسعر الاكتتاب، أيا كان هذا السعر. وهنا قد يبدو أن هناك مخاطرة كبيرة على المتعهد، وبالتالي من حقه أن يستقطع عشرات الملايين من الريالات مقابل ذلك، غير أن ذلك ليس دائما صحيحا.

نبدأ بدور متعهد الاكتتاب في الطرح الأولي. هنا نجد أن الطروحات الأولية في المملكة عموما، مضمونة التغطية، بل يتم أحيانا الاكتتاب بعشرات أضعاف الأسهم المطروحة. على سبيل المثال، آخر اكتتاب لطرح أولي كان لشركة بن داود القابضة، وتمت تغطية الاكتتاب بنحو 50 ضعف المبلغ المطلوب في بناء سجل الأوامر، و14 ضعف المبلغ المطلوب بالنسبة إلى الأفراد. وفي مثل هذه الحالات التي تحدث كثيرا، ولا سيما في الأيام الخوالي حين كان الناس يتزاحمون للظفر بشيء من هذه الاكتتابات، من الواضح أنه لا توجد هناك مخاطرة على متعهد التغطية، فالعملية مضمونة الربح بشكل كبير جدا.

لماذا إذن تقوم الشركات بدفع تلك الأموال الباهظة لمتعهدي التغطية؟ أحد الأسباب نجده في الآية الكريمة "قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون"، حيث درجت العادة أن تدفع نسبة معينة لمتعهد التغطية، وفي أوقات الابتهاج والفرح المصاحب لطرح الشركات للاكتتاب يتغاضى الملاك البائعون عن مثل تلك المبالغ، نظرا إلى أنهم سيتحصلون على مئات الملايين من الطرح الأولي، فتجدهم يستسلمون سريعا لضغوط متعهدي التغطية. على سبيل المثال، في الاكتتاب الأخير لشركة بن داود، تبلغ تكلفة متعهدي التغطية 75 مليون ريال، تؤخذ مباشرة من الملاك البائعين.

إذن، قد يقول قائل وما شأننا، هؤلاء هم ملاك الشركة وهم من يدفع تكاليف المتعهد ومتحصلات الاكتتاب تذهب لهم، إن هي إلا أموالهم وهم أحرار فيها؟ وهذا قد يكون صحيحا إلى حد كبير، لذا دعونا ننظر إلى دور متعهد الاكتتاب في عمليات رفع رأس المال، كون هذا المتعهد يأخذ أتعابه من الأموال المحصلة، التي هي من حق الشركة، وليس فقط من حق العدد القليل من الملاك البائعين، كما في الطرح الأولي. فعندما تقوم شركة برفع رأسمالها، فهي تطرح أسهما إضافية بسعر منخفض نسبيا لجميع مساهمي الشركة، ومن ثم تقوم بخصم أتعاب المتعهد وبعض المصروفات الأخرى القليلة، وتودع المتبقي في حساب الشركة.

كم يتقاضى المتعهد مقابل عمليات رفع رأس المال؟ النسبة التي يستقطعها أقل بقليل من نسبة أتعاب الطرح الأولي، وتكون بين 2 و4 في المائة، حسب ما تم رصده هنا في المملكة. المشكلة هنا أن رسوما عالية تدفع مقابل خدمة يبدو أنها خالية من المخاطرة، ولا تتطلب مجهودات كبيرة.

كمثال في الاكتتاب القائم حاليا لرفع رأسمال شركة زين للاتصالات، تبلغ تكاليف متعهد التغطية 65 مليون ريال، ورغم أن مبلغ رأس المال الإضافي 4.5 مليار ريال، إلا أن متعهدي التغطية مسؤولون فقط عن 2.8 مليار ريال، لأن شركة زين الكويت تعهدت بالاكتتاب بحصتها البالغة بنحو 1.6 مليار ريال، فلا حاجة إلى التعهد بتغطية هذا المبلغ. لكن حتى هذا المبلغ المتعهد به، 2.8 مليار ريال، هل يشكل مخاطرة على المتعهد تستحق دفع مبلغ 65 مليون ريال؟

دعونا ننظر إلى حقيقة العملية: تكلفة الاكتتاب في شركة زين حاليا هي عشرة ريالات لملاك السهم، ولغير الملاك تراوح بين 13.50 و14 ريالا حسب حركة السهم، وفي حال لم يتم الاكتتاب بجميع الأسهم المطروحة، فهناك مزاد يحضره عدد من المؤسسات المالية بدعوة من متعهدي التغطية، ومن خلاله يتم بيع الأسهم المتبقية، وفي حال لم يتم بيع جميع الأسهم، هنا فقط يضطر المتعهد لشراء الأسهم بسعر عشرة ريالات. وفي حال تم شراؤها من قبل المتعهد، فإنها تصبح أسهما مملوكة له ويمكنه بيعها لاحقا في السوق، ربما بربح وربما بخسارة، لكن احتمالية أن يضطر المتعهد لشراء الأسهم ضعيفة.

ختاما، هناك توجهات عالمية من عدة أعوام للتخلص من متعهدي التغطية لعدم الحاجة إليهم، وذلك من خلال الطروحات الأولية المفتوحة التي لا تحتاج إلى تعهد بالتغطية، وغيرها من طرق حديثة. كثير من الشركات التي تطرح أسهمها في السوق السعودية، وبالذات تلك التي تطرح حقوقا أولية لرفع رأس المال، في رأيي أنها تغدق متعهدي التغطية بأموال غير مستحقة نظير ما يقومون به من أعمال فعلية، وقياسا على درجة المخاطرة التي يتلقونها.

 

نقلا عن الاقتصادية