لقد ساعدت تخفيضات الإنتاج القياسية التي أقرتها مجموعة "أوبك +" استجابة لانهيار الطلب وأسعار النفط، على استقرار أسواق النفط في الأشهر الأخيرة. ومع ذلك، ظلت الأسعار تراوح قرب 40 دولارا للبرميل منذ نهاية الربع الثاني. رغم أن هذا يعد تحسنا هائلا - ضعف ما كانت عليه الأسعار في نيسان (أبريل) - إلا أن سعر النفط عند 40 دولارا للبرميل بعيد عن سعر النفط الذي يحتاج إليه عديد من أعضاء "أوبك" للوفاء بمتطلبات ميزانياتهم. حيث تحتاج "أوبك" وشريكتها الرئيسة من خارج "أوبك" روسيا إلى أسعار نفط أعلى من 40 دولارا للبرميل لدعم اقتصاداتها المعتمدة على النفط، التي تضررت من التباطؤ الناجم عن الوباء. مع ذلك، ظلت الأسعار ثابتة في نطاق ضيق منذ حزيران (يونيو)، بعد أن بدأت تظهر بوادر على أن الطلب العالمي على النفط - وإن كان في تحسن - لا ينتعش بالسرعة الكافية لتبرير ارتفاع الأسعار أكثر. في الوقت نفسه، تعمل مجموعة "أوبك +" على تخفيف تخفيضات الإنتاج وتحث جميع المنتجين المشاركين إلى الامتثال التام لحصصهم حسب الاتفاق.
يؤدي هذا العرض المتزايد وتعافي الطلب المتعثر إلى دفع السوق الآن إلى فائض في العرض، كما تشير بذلك الأسواق المادية الضعيفة واتساع حالة الـ contango في أسواق العقود الآجلة للنفط. لتجد مجموعة "أوبك +" نفسها مرة أخرى عالقة بين المطرقة والسندان. هل يجب أن تظل المجموعة على مسار تخفيف التخفيضات، على أمل أن ينتعش تعافي الطلب العام المقبل، مع تحمل أسعار منخفضة لفترة أطول؟ أم يجب عليها تعديل استراتيجيتها الإنتاجية مرة أخرى وتعمق التخفيضات مع استمرار الوباء في كبح الحركة والنشاط الاقتصادي في الدول الرئيسة المستهلكة للنفط، وبالتالي التضحية بحصة السوق طويلة الأجل من أجل تعزيز أسعار النفط على المدى القصير؟.
من الناحية النظرية، يجب أن تعمل مجموعة "أوبك +" على تحقيق التوازن بين ارتفاع الأسعار على المدى القصير وحصة سوقية أعلى على المدى الطويل. نظريا من السهل الحديث عن مثل هذا التوازن، لكن تحقيقه في الواقع صعب. الأسعار الحالية أقل بكثير من سعر النفط الذي يحتاج إليه معظم منتجي النفط المساهمين في الاتفاق للوفاء بمتطلبات ميزانياتهم. لكن العودة إلى تخفيضات أعمق لمساعدة السوق على إعادة التوازن بشكل أسرع وتحويل المعنويات الهبوطية للأسابيع الأخيرة قد تعني خسارة إضافية في حصتهم في السوق، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات يمكن أن يستعيد فيها النفط الصخري الأمريكي وباقي النفوط عالية التكلفة مزيدا من الإنتاج.
من المؤكد أن مجموعة "أوبك +" في هذه المرة وضعت استراتيجية خروج متوسطة الأجل حتى نيسان (أبريل) 2022. التخفيضات الحالية البالغة 7.7 مليون برميل يوميا، التي تم تخفيفها من 9.7 مليون برميل يوميا، من المقرر أن تتراجع أكثر ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2021 إلى 5.8 مليون برميل يوميا، لتبقى سارية المفعول حتى نهاية نيسان (أبريل) 2022.
لكن، مع تزايد الأدلة التي تشير إلى توقف تعافي الطلب واحتمالية ألا يعود الطلب على جميع أنواع الوقود، خاصة وقود الطائرات، إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى عام 2023، فهناك تكهنات متزايدة حول ما إذا كانت مجموعة "أوبك +" قد تحتاج أو لا تحتاج إلى إعادة النظر في اتفاقها لمساعدة السوق المتأرجحة على إعادة التوازن وبالتالي دعم الأسعار.
قد تكون الحجة الأكثر إقناعا لمصلحة استراتيجية تعميق التخفيضات هي حقيقة أن جميع اقتصادات "أوبك +" تعاني أسعار النفط المنخفضة حاليا. على سبيل المثال، قال وزير المالية الكويتي للبرلمان: إن أموال رواتب موظفي الدولة تنفد ولن تكون لديها أموال لتغطية هذه الرواتب بعد تشرين الثاني (نوفمبر) ما لم تتحسن أسعار النفط بشكل جوهري. من جانب آخر يفضل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسعار أعلى من 46 دولارا للبرميل. ليس هناك شك أن المشاركين في اتفاقية "أوبك +" يحتاجون إلى أسعار نفط أعلى بكثير من 40 دولارا للبرميل. لكنهم بحاجة إلى أخبار إيجابية من جانب الطلب لتسريع إعادة توازن السوق. في هذه الأيام لا توجد أخبار إيجابية للطلب، وكان رد فعل السوق هو انخفاض أسعار خام برنت في الأسبوع الماضي إلى ما دون 40 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ حزيران (يونيو). لكن الحصة السوقية طويلة الأجل قد تكون أكثر أهمية.
رغم أن المضاربين على ارتفاع السوق وميزانيات "أوبك +" بحاجة ماسة إلى إعادة التوازن في السوق عاجلا وليس آجلا، تفيد التقارير أن المملكة ملتزمة بتخفيضات الإنتاج كما هي رغم الانهيار الأخير في أسعار النفط، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" يوم الأربعاء الماضي. وقالت مصادر الصحيفة: رغم أن انهيار الأسعار هذا الأسبوع يثير القلق - لكن ليس الذعر - في السعودية، إلا أن أكبر منتج في "أوبك" لا يرى حاجة إلى تخفيضات أكبر، خوفا من أن تفقد حصتها في السوق لمصلحة منتجين آخرين.
إن حصة السوق راسخة في ذهن "أوبك +"، في هذا الجانب قال ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي: "سيكون من المهم للغاية بالنسبة لروسيا، ومنتجي النفط الآخرين استعادة حصتهم في السوق في أقرب وقت ممكن، بل زيادتها عندما يعود الطلب إلى مستويات ما قبل الأزمة".
قبل الوباء، كانت "أوبك" تعول أن يصل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى ذروته في منتصف هذا العقد لاستعادة حصتها في السوق، لكن الوباء والدفع نحو مصادر الطاقة منخفضة الكربون أثار قلق المنظمة من أن الأزمة قد تكون قد سرعت بشكل كبير الجدول الزمني لذروة الطلب على النفط.
لكن، هذا التركيز على حصة السوق قد يعني أن "أوبك +" سيتعين عليها التخلي عن إيرادات الميزانية على المدى القصير، ما يجبرها على تحمل مزيد من الديون، تكثيف التقشف، والاستفادة بشكل أوسع من الصناديق السيادية لسد النقص في الميزانية.
بالفعل، مع تراجع إعادة التوازن في أسواق النفط ومع تباطؤ انتعاش الطلب، تواجه "أوبك" المعضلة القديمة نفسها، هل المعاناة قصيرة الأجل ستؤدي إلى مكاسب طويلة الأجل؟.
نقلا عن الاقتصادية