على مدى الأسابيع الماضية كان هناك عدد من المؤشرات الإيجابية من الصناعة الاستخراجية (المنبع). من هذه العلامات: إعادة تشغيل الآبار المغلقة في أحواض النفط الصخري في الولايات المتحدة، وقيام مجموعة "أوبك +" بتخفيف تخفيضات الإنتاج حيث يرون أن الأسواق تقترب تدريجيا من حالة التوازن، وأخيرا وليس آخرا شهد المخزون في الولايات المتحدة أربع عمليات سحب أسبوعية متتالية. في الوقت نفسه في الصناعة التحويلية لا تزال هوامش التكرير بعيدة عما كانت عليه قبل عام، رغم تخفيف إجراءات الإغلاق. حيث إن مخزونات المنتجات عالية بما يكفي لدرجة أنه حتى الطلب المتزايد لا يمكنه امتصاص العرض. في شمال غرب أوروبا بلغ متوسط هوامش البنزين في الربع الثالث أكثر قليلا من دولار واحد للبرميل، مقارنة بالمستويات التقليدية التي تبلغ نحو 12 دولارا للبرميل في ذلك الوقت من العام.
نتيجة لذلك يقوم بعض المصافي بتحويل منشآتها إلى مصانع للوقود الحيوي كما أشرت في المقال السابق، ويخطط البعض الآخر لإغلاق دائم. في هذا الجانب في الأسبوع الماضي ذكرت "أرجوس ميديا" Argus Media أن مصفاتين أوروبيتين على الأقل ستغلقان بشكل دائم في أعقاب الوباء. إحداهما هي منشأة Gunvor في بلجيكا، والأخرى مصفاة توتال بالقرب من باريس التي تخطط الشركة الفرنسية الكبرى لتحويلها إلى مصنع للوقود الحيوي. ومن شأن ذلك أن يرفع طاقة التكرير التي سيتم الاستغناء عنها نهائيا إلى 200 ألف برميل يوميا. حتى مصفاة Priolo في صقلية التابعة لشركة Lukoil الروسية التي تبلغ طاقتها 320 ألف برميل يوميا قد تكون معرضة للخطر أيضا، حيث كانت تعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية منذ عدة أعوام.
لكن قد يكون هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ صناعة التكرير، أي إغلاق وتحويل الطاقات الفائضة، حيث وصلت هوامش التكرير إلى أدنى مستوياتها التاريخية، ذلك أن الطلب على المنتجات يعود ببطء أكثر مما كان يتوقع كثيرون بعد تخفيف الإغلاق. والآن، مع الموجة الثانية من العدوى التي تجتاح أوروبا، يمكن حتى عكس هذه العودة البطيئة، رغم أن الحكومات مترددة في إعادة فرض عمليات الإغلاق.
والوضع لا يختلف كثيرا في أي مكان آخر من العالم. تقوم مصافي التكرير الأمريكية أيضا بتحويل منشآتها إلى مصانع للوقود الحيوي، حيث إن التشريعات المشجعة في ولاية كاليفورنيا من المرجح أن تؤدي إلى زيادة هائلة في الطلب على الوقود الحيوي في الأعوام المقبلة. مع الهوامش الحالية يكون الأمر منطقيا جدا.
وفقا لـ "أرجوس ميديا" منذ بداية تموز (يوليو) بلغ متوسط هوامش البنزين في شمال غرب أوروبا دولارا واحدا للبرميل، هذا مقارنة بـ 12 دولارا للبرميل قبل عام. وهذا فرق صادم بدرجة كافية لمصافي التكرير التي تعتمد على هوامش ربحها من البنزين لديمومتها، حيث يعد البنزين عادة المنتج الأكثر شعبية. لا تختلف الأمور كثيرا في آسيا أو الولايات المتحدة. المشكلة لا تزال هي نفسها: كثير من العرض وعدم كفاية الطلب.
في الشهر الماضي توقعت شركة وود ماكنزي Wood Mackenzie أن يبلغ متوسط هوامش التكرير هذا العام نحو 1.40 دولار لكل برميل نفط خام. سيكون ذلك انخفاضا من 3.70 دولار للبرميل قبل عام وهو أدنى هامش منذ عام 2000. وهناك بعض الأمل في التحسن في المستقبل، وفقا لـ "وود ماكنزي" حيث يرى محللو الشركة أن هوامش التكرير ستتعافى إلى متوسط دولارين إلى ثلاثة دولارات للبرميل على مدى الأعوام الأربعة المقبلة. ومع ذلك، فإن هذا يعني أن المتوسط سيظل أقل من مستويات ما قبل الجائحة و20 في المائة أقل من توقعات "وود ماكنزي" السابقة قبل أن يؤثر فيروس كورونا في الصناعة.
ومع ذلك، هناك جهات أخرى أكثر تفاؤلا على الأقل على المدى القصير. أبرز هذه الجهات التجار والمضاربون. حيث إن اتباع المنطق القائل، إن هوامش التكرير ستبدأ عاجلا أم آجلا في التحسن والمراهنة على أن هذا سيحدث عاجلا وليس آجلا، يشتري المتداولون عقود منتجات آجلة أكثر من النفط الخام.
فمنذ أوائل حزيران (يونيو)، اشترت صناديق التحوط نحو 80 مليون برميل من الوقود في ثلاثة عقود آجلة رئيسة - البنزين الأمريكي، الديزل الأمريكي وزيت الغاز الأوروبي - بينما باعوا ما مجموعه 32 مليون برميل من النفط الخام. هناك بعض المنطق وراء ذلك حيث تقوم المصافي بخفض عمليات التشغيل. ومع ذلك، يبدو أن فائض العرض لا يزال كبيرا أثناء توقف انتعاش الطلب، ولم تنعكس بعد عمليات التكرير المنخفضة في تحركات أسعار المنتجات.
حتى التهديد الأخير بعاصفة مزدوجة في خليج المكسيك، التي أوقفت معظم إنتاج النفط من الحقول البحرية ودفعت مصافي التكرير إلى الاستعداد للإغلاق لم تكن قادرة على إثارة ارتفاع حقيقي في هوامش التكرير، ما أدى فقط إلى ارتفاع أسعار النفط لبضع ساعات قبل أن تتراجع مرة أخرى. لقد استفاد البنزين، لكن من المحتمل أن يكون هذا فقط لمدة تهديد العاصفة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وقت كتابة هذا المقال، بدأت المصافي على طول ساحل الخليج إعادة التشغيل بعد يوم من وصول إعصار لورا إلى اليابسة في لويزيانا، ومعظمها يعاني فقط أضرارا طفيفة أو معدومة.
لذلك ما لم نشهد انتعاشا أكثر قوة في الطلب على الوقود فمن المحتمل أن يكون ارتفاع أسعار المنتجات الذي يتوقعه التجار والمضاربون أن يتحقق لاحقا وليس عاجلا.
نقلا عن الاقتصادية