أسعار النفط ستبقى تراوح قرب 40 دولارا

06/08/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

في يوم الجمعة الماضي، ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي مرة ثانية، لكنها انخفضت للأسبوع. كما أدى انخفاضها الحاد الخميس الماضي إلى محو معظم مكاسب السوق الشهرية. على الرغم من أن أساسيات السوق تدعم ارتفاع الأسعار قبل نهاية العام، إلا أن التوقعات قصيرة المدى غير مشجعة بعض الشيء، ما يشير إلى أننا قد نشهد تذبذبا في الأسعار على مدى الأسابيع القليلة المقبلة.

بعد وصول أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوى له في أربعة أشهر في 21 تموز (يوليو)، تظهر حركة الأسعار في نهاية الأسبوع الماضي بوضوح، أن الأسواق أصبحت أكثر قلقا بشأن الطلب. قد يقترح البعض أن الأسعار كانت ستصبح أقل كثيرا لولا انخفاض سعر صرف الدولار إلى أدنى مستوياته في عامين. حيث يميل تراجع قيمة الدولار إلى زيادة الطلب على النفط الخام المقوم بالدولار.

في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته "رويترز" الأسبوع الماضي أن أسعار النفط من المتوقع أن تشهد هذا العام تحركا بطيئا إلى الأعلى، حيث إن تخفيف القيود المفروضة نتيجة جائحة كورونا قد أنعش الطلب على النفط، في حين أن موجة ثانية محتملة من تفشي الوباء قد تبطئ وتيرة هذا الانتعاش. وتوقع المسح الذي شمل 43 محللا واقتصاديا أن يصل متوسط سعر خام برنت القياسي إلى 41.50 دولار للبرميل في عام 2020، بارتفاع طفيف عن 40.41 دولار في استطلاع حزيران (يونيو) ومقارنة بمتوسط 42 دولارا تقريبا لهذا المؤشر حتى الآن هذا العام. من المتوقع أن يبلغ متوسط السعر 49.85 دولار للبرميل في عام 2021. وارتفعت توقعات عام 2020 لخام غرب تكساس الوسيط إلى 37.51 دولار للبرميل من 36.10 دولار في استطلاع حزيران (يونيو).

لكن عديدا من المحللين جادلوا بأن الصورة الأكبر ضبابية، حيث تلوح في الأفق مخاطر اقتصادية ووبائية. على الرغم من توقف الزخم الصعودي خلال الشهر الماضي، ما زال البعض يعتقد أن الأسعار تأخرت في تصحيحها الهبوطي لتعكس بطء وتيرة انتعاش الطلب على النفط وضعف الآفاق الاقتصادية. والواقع أن توافق الآراء التي تم التوصل إليها سابقا حول توازن أسواق النفط في النصف الثاني من العام، قد ضعفت بشكل ملحوظ خلال الشهر الماضي. حيث نادرا ما نسمع الآن توقعات عن انتعاش الطلب على شكل حرف V وتشدد الأسواق بصورة كبيرة، وهي الآراء التي سمحت لأسعار خام برنت بالارتفاع بما يتجاوز 40 دولارا للبرميل. وبدلا من ذلك، يبدو أن التوقعات الرئيسة في السوق قد تحولت إلى أي مدى سيكون الطلب دون التوقعات وكم سيستغرق استنزاف المخزونات.

وتتناقض هذه التوقعات بشكل كبير مع سلوك أسعار النفط الخام في الأسابيع الستة الماضية. حيث تلاشت التقلبات، مع بقاء أسعار خام غرب تكساس الوسيط ثابتة عند نحو 40 دولارا للبرميل، وأسعار خام برنت بضعة دولارات أعلى. ظلت الأسعار عالقة عند تلك المستويات حتى مع تبدد التفاؤل بإعادة افتتاح الاقتصاد. إن المؤشر الوحيد لتوقعات أكثر تشاؤما الذي يتسلل إلى أسواق النفط هو تحول منحنى الأسعار من حالة التراجع BACKWARDATION، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، نحو الكونتانجو CONTANGO، أي أن العقود الآجلة تباع بعلاوة عن العقود قصيرة الأجل. كما أشار عديد من المحللين، الخصم على عقود برنت في الشهر الأول نسبة إلى عقود برنت للشهر الرابع قد اتسع على مدار تموز (يوليو).

يبدو أن خام برنت أعلى من 40 دولارا للبرميل يتعارض بشكل متزايد مع تدفق الأخبار المتعلقة بوباء كورونا وتوقعات الاقتصاد العالمي، خاصة التضارب مع أساسيات أسواق النفط الهبوطية بشكل متزايد. ومع ذلك، على الجانب الآخر، قفز الطلب على البنزين في الولايات المتحدة في أحدث بيانات لإدارة معلومات الطاقة للأسبوع المنتهي 24 تموز (يوليو)، حيث ارتفع إلى 8.8 مليون برميل يوميا، منهيا بذلك عدة أسابيع من الانخفاض، على الأقل مؤقتا، هذا المستوى من الاستهلاك هو الأعلى في أربعة أشهر.

علاوة على ذلك، الزيادة في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة قد خفت على نحو طفيف للغاية، حيث شهدت الولايات الرئيسة مثل تكساس، فلوريدا وكاليفورنيا تراجعا في عدد الإصابات بالعدوى من الذروة الأخيرة. قد يكون هذا علامة على تراجع مخاطر الطلب من التباطؤ المحتمل أو الإغلاق المستهدف، ولكن احتمال حدوث موجة ثانية في وقت لاحق من العام لا يزال يمثل مخاطر تلوح في الأفق. قد تكون احتمالية الموجة الثانية في الولايات المتحدة قليلة في الوقت الحالي، حيث عزز انتعاش الطلب على البنزين وانخفاض المخزونات أسعار النفط في منتصف الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم الأربعاء.

لكن المعنويات تتحول من أسبوع لآخر، وليس من الواضح أن الرأي السائد أن أسواق النفط ستعاني عجزا كبيرا في العرض في النصف الثاني من العام سيبقى. في الأسبوع الماضي، حذرت Rystad Energy من أن تخفيف تخفيضات إنتاج مجموعة "أوبك +" يمكن أن يؤدي إلى فائض متجدد للأشهر الأربعة المقبلة. بالفعل من المتوقع أن يزداد العرض العالمي بشكل ملحوظ إلى حد ما خلال الأشهر القليلة المقبلة، متجاوزا الزيادات المتوقعة في الطلب. يمكن أن يأتي قرار "أوبك +" بزيادة الإنتاج ابتداء من هذا الشهر بنتائج عكسية لأننا ما زلنا بعيدين حتى الآن عن تعافي الطلب على النفط. ستعود أسواق النفط مرة أخرى إلى وفرة الإمدادات ولن تعود إلى عجز مرة أخرى حتى كانون الأول (ديسمبر) 2020.

على الرغم من أن أسعار النفط سجلت مكاسب يوم الأربعاء الماضي على خلفية البيانات الإيجابية من إدارة معلومات الطاقة، يحذر المحللون من أن كثيرا من المخاطر الهبوطية لا تزال قائمة. في هذا الصدد، أشارت شركة Rystad Energy إلى الارتفاع غير المتوقع للعدوى في أوروبا، وهو تطور سلبي لم يتم احتسابه بعد في توقعات السوق. في الواقع، تظهر البيانات من أوروبا انخفاضا في حركة المرور على الطرق مع ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس. يجب أن نكون حذرين بمكاسب الأسعار الحالية، فقد يتم إلغاؤها بمجرد أن يتجاوز العرض الطلب، وهو قريب، وبما أن هذا متوقع أن يستمر لبعض الوقت، سيتسابق المضاربون بأخذ ذلك بنظر الاعتبار.

 

نقلا عن الاقتصادية