تعمقت مشكلات منظمة التجارة العالمية باستقالة مديرها روبرتو أزيفيدو المفاجئ قبل عام من نهاية فترة ولايته، ما أقحم المنظمة والأعضاء في تحدي انتخابات مبكرة غير متوقعة، لم يتم الاستعداد لها.
المواجهة الأميركية الصينية وتأثيرها على استقرار المنظمة والإخلال بأنظمتها الدولية، وفشل مفاوضات إزالة الحواجز أمام التجارة العالمية، وبخاصة المنتجات والخدمات الزراعية، وتوقف ملف التجارة الإلكترونية وإعانات مصائد الأسماك، ثم تداعيات كورونا على التجارة الدولية وقطع سلاسل الإمداد، وقرصنة الدول التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ المنظمة، من التحديات التي تواجه المنظمة، وبالتبعية مديرها الجديد. إصلاح المنظمة الدولية هو الشعار المتداول بين الدول الكبرى التي تدفع نحو تنفيذ إصلاحات عميقة متوافقة مع متغيرات التجارة الدولية ومتطلباتها الضرورية.
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، طالب في ختام قمة مجموعة العشرين، في أوساكا باليابان، بضرورة إصلاح منظمة التجارة العالمية، والعمل مع الدول الأعضاء لمعالجة قضايا الاقتصاد الرقمي. كما طرحت المملكة، بصفتها رئيسة مجموعة العشرين، مبادرة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، مطلع العام الحالي، تتعلق بمستقبل المنظمة، أطلقت عليها اسم «مبادرة الرياض».
تؤمن المملكة بأهمية وجود نظام دولي، يتصف بالشمولية والعدالة والشفافية المطلقة، يحكم التجارة العالمية، وأنه السبيل الأمثل لمعالجة التحديات المختلفة. كما تؤمن بقدرتها على إحداث ذلك التغيير من خلال إدارة المنظمة، ما حفزها لتقديم مرشحها معالي الأستاذ محمد التويجري، الذي يمتلك من الخبرات المالية والاقتصادية والتجارية ما يعينه على تحقيق متطلبات الإدارة الكفؤة والبدء في حشد الجهود لخلق بيئة خصبة لإحداث الإصلاحات المستهدفة التي لا يمكن إنجازها إلا من خلال الأعضاء.
وبرغم وضوح آلية الانتخاب، إلا أن هناك بعض التوجهات والمصالح المؤثرة في العملية الانتخابية وتحديد قرار الأعضاء، ويمكن ملاحظة تلك المعطيات المؤثرة من خلال ما يتم تداوله عن صفة المدير القادم. كالرغبة الجامحة في تنصيب امرأة، ولأول مرة في رئاسة المنظمة الدولية. صحيفة واشنطن بوست ذكرت في تقرير بثته مؤخرا «أن وفد جنيف التجاري يمارس ضغوطاً شديدة لاختيار النساء كرئيسة لمنظمة التجارة العالمية».
ومن الأمور المتداولة أيضا تطبيق نظام تداول المنصب بين قارات العالم، بحيث يكون المدير القادم من قارة لم يسبق لها قيادة المنظمة من قبل. لذا سعت بعض الدول الأفريقية لتقديم مرشحين يجمعون بين الصفتين المفضلتين لدى الرأي العام وبعض الدول المؤثرة في حشد أصوات الأعضاء.
المرشحة النيجيرية إيويالا، بخبراتها ونفوذها في البنك الدولي، استشعرت المزاج العام نحو المرأة، والقارة الأفريقية، فسعت لاستثمار الموقف من محاوره الثلاثة حين قالت: «آمل أن يتم انتخاب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية على أساس الجدارة قبل أي شيء. ومن ثم إذا كانت امرأة أو من إفريقيا فهذا أمر جيد كذلك»!.
ومن جهة أخرى تحكم المصالح والتوجهات السياسية الانتخابات، ما يعني أن الكفاءة؛ وبرغم أهميتها؛ قد تتراجع أمام مؤثرات أخرى يفرضها الناخبون.
قائمة المرشحين النهائية ضمت ثمانية يمثلون المملكة، وكوريا والمملكة المتحدة ونيجيريا ومصر وكينيا والمكسيك ومولدوفا، ما يعني أن العملية الانتخابية لن تكون سهلة على الجميع، وإن كنت أعتقد أن المصالح وربما وعود أو ضغط الدول الكبرى، سترجح الكفة وتعزز فرص الفوز. الأكيد أن البرنامج الإنتخابي ورؤية المرشحين من المؤثرات المهمة، إلا أن الحسابات الخاصة في إنتخابات المنظمات الدولية عموما، ومنظمة التجارة العالمية، قد تهمش تلك الرؤى أو تضعف من تأثيرها، وهو أمر ينبغي أن يتنبه له مرشح المملكة جيدا. أعتقد أن رؤية المملكة الإصلاحية قد تكون الأجدر حتى الآن، يعززها كفاءة المرشح وخبراته السابقة، غير أن مراجعة حسابات الفوز والمؤثرات الأخرى غاية في الأهمية.
وأحسب أن الولايات المتحدة، بقوتها الاقتصادية والسياسية وتأثيرها الدولي، سيكون لها التأثير الأكبر على الانتخابات، وإيصال أحد المرشحين لقيادة المنظمة. فهي تسعى جاهدة لإعادة هيكلة المنظمة، وإحداث تغيير جذري في سياساتها وأنظمتها. ومن أولوياتها أيضا معالجة نزاعها التجاري مع الصين، أو بصياغة أكثر وضوحا، ترجيح كفتها في النزاع الحالي. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشار إلى أن الصين تستغل المنظمة لتحقيق أهدافها التجارية ما أثر على الاقتصاد الأميركي، لذا قد يكون خياره الأول ترجيح كفة أحد المرشحين لتحقيق الأهداف الإصلاحية المطلوبة، أو ربما أحداث هزة للمنظمة لا يمكن الخروج منها بسهولة ليزيد من معاناتها وشللها.
أختم بالتأكيد على أهمية المصالح في تحديد المرشح المفضل لدى الدول، وأن الأفضلية قد لا تحكمها الكفاءة والإستحقاق، بل ربما حددتها سياسات أخرى لا يمكن التعامل معها بنزاهة وعدالة، ورغم إيماني التام بمعرفة المملكة بدهاليز الانتخابات الدولية، إلا أنها تصر بالمنافسة على قيادة المنظمات الدولية وعدم الاكتفاء بالمشاركة فيها، وتشدد على تقديم الكفاءة والرؤية المستقبلية والدعم الأمثل للفوز بالرئاسة. كل الأمنيات والدعوات الصادقة بفوز مرشح المملكة معالي الأستاذ محمد التويجري بمنصب مدير منظمة التجارة العالمية، فالمملكة ومرشحها يستحقان ذلك.
نقلا عن الجزيرة