الشيوخ أكثر تجارب من الشباب، وأقدر على معرفة العواقب، ومع ذلك فإنّ كثيراً من الشباب لا يستفيدون من تجارب آبائهم الطويلة، وربما لايستشيرونهم أصلاً، وإن حذّرهم الشيوخ من عواقب ما يفعلون، لم يُبالوا بالتحذير، وإن تظاهروا بالطاعة والموافقة لآبائهم على مايراه الآباء مغامرات حمقى، قد يتظاهرون بالطاعة التامة لمجرد إسكات الأب أوالقريب المُسن الناصح المخلص، ثم ساروا على هواهم كاتمين عن المسنين ما يفعلون، ليتخلصوا من تكرار نصائحهم التي يعتقد بعض الشباب أنها لا تُناسب جيلهم ولا تواكب طموحهم ، وهكذا ربما مضى الشباب في مغامرات خطيرة، وتبنَّوا مشاريع وخيمة العواقب، وآباؤهم لا يدرون عن تلك التصرفات الخطيرة أبداً، لأن أبناءهم كتموا ما يُمارسون، وزعموا أنهم ملتزمون بمشورة الأب،مطبقون لتحذيره السليم، وهم في الواقع يمارسون عكس رأي الأب، ويعملون ضد ما يُشير به ويكرره ويُحذر من أي تهور، فيطمئن المسنون جازمين أن شبابهم الغالين اقتنعوا تماماً بتحذيرات المسنين الجادة المتكررة، ومما يزيد المسن طمأنينة أن تحذيراته واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا تخفى على سامع، متفقة كل الاتفاق مع الواقع والعقل والحقيقة، لكن حماسة بعض الشباب تكون أبعد ما تكون عن الواقع والعقل والحقيقة، لأن تلك الحماسة واهمة هائمة في ضلالٍ يحسبه الشاب قمة الطموح والنجاح والصلاح، كالظمآن في حرارة الصحراء يرى السراب فيحسبه ماء، فيُجهد نفسه بسرعة السير إليه حتى يُصيبه الإرهاق والمزيد من الظمأ، فإدا وصل ما ظنهماء فُجع بأنه مجرد سراب، وأدرك الحقيقة بعد فوات الأوان، وعرف أن تحذير المسنين له ونصحهم من قلب مخلص وعقل مُدرك هو عين الصواب،وأنه لو أشركهم في خُطواته ولم يكتمعنهم أفعاله تماماً لسددوا خطواته وتلافوا أخطاءه قبل أن تكبر وتتراكم..
المثل العربي يقول (زاحم بعَود أودع) والثاني يقول (رأي الشيخ خيرٌ من مشهد الغلام )لأن رأي الشيخ مبني على مشاهد كثيرة رآها في عمره الطويل ورأى عواقبها ومآلاتها، بينما الشاب لم ير إلا مشهداً واحداً مجهول المآل، حماسة الشاب قد تزين له ذلك المشهد وتخدعه عن عواقبه، فيتسرع في اتخاذ وتنفيذ القرار غير مُدرك أن أهم ما في القرار مآلاته ومحاذيره ولأنه لا يعرفها ولا يراها لقلة تجاربه يتحمس حماسة عمياء توهمه أن مايفعله ويستمر فيه هو عين الصواب وأسرع طريق للنجاح فيكتم كل مايفعل عن المسنين الناصحين ويزعم لهم أنه يسير على رأيهم السديد ويعمل بنصائحهم المخلصة، ونيته طيبة في الكتمان وبث الطمأنينة في المسن الناصح، ولكن مجرد النية الطيبة لاتكفي مع العمل الخاطئ، خاصةً إذا تكرر الخطأ وتضاعف وكتم بعض الشباب ذلك عن المسن الناصح أشد الكتمان إمّا أملاً خادعاً في إصلاح الأخطاء، أوخجلاً من عدم الاستماع لنصائح الآباء رغم التأكيد بأنها على الرأس والعين ولكن بدون أي تنفيذ بل بالعكس العمل بضدها.
إنها دعوة للشباب كي يستفيدوا من آراء الشيوخ التي تدرك الدرب السليم من طول التجارب وكثرة طرق الدروب في أعمارهم الطويلة وتجاربهم الكثيرة التي عرفوا أولها وآخرها والصواب والخطأ منها، الشيوخ بآرائهم السديدة يُجنبون الشباب، إذا أصغوا إليهم، سنوات طويلة من تجارب الخطأ والصواب، ومن الوقوع مراراً في فخّ الإخفاق.
نقلا عن صحيفة الرياض