مُخرجات التعليم وحاجات السوق

14/02/2020 2
عبدالله الجعيثن

يشبه أنفصال التعليم عن السوق مرض (الفصام) إلى حدٍّ ما، فالفصام مرض نفسي يتصف بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع، وأعراض أخرى تعوّق صاحبها عن الإنتاج فضلاً عن الإتقان، وتحول بينه وبين العمل، فلا يكاد يمارس عملاً حتى يتركه أو يُطرد منه، والمجتمعات كالأفراد لها أمراضها التي من أعراضها البطالة وضعف الوعي والكفاءة، وهي أعراض منتشرة في كثير من الدول النامية، وتعود بالدرجة الأولى لانفصال التعليم عن السوق، وعدم التوافق في الاتجاهين، فهو نوع من الفشل في تمييز الواقع.

والواقع الملموس أن الحكومة لدينا تُنفق على التعليم بسخاء منقطع النظير، ورغم عمرنا الحضاري القصير استطاعت نشر التعليم في كل أنحاء المملكة، وجعل المملكة من أقل دول العالم في نسبة الأمية، مع أن مجتمعنا قبل سبعين أو ثمانين عاماً فقط، من أوائل دول العالم في ارتفاع نسبة الأُميّة، ومع ذلك لم تنخفض نسبة البطالة بما يناسب تعميم التعليم أو يقاربه، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى انفصال التعليم عن حاجات السوق في كثير من تخصصاته ومناهجه وطرق تدريسه، فالتعليم في الدول المتقدمة يقوم على (التفكير والنقد)، بينما يغلب على تعليمنا (التلقين والحفظ)، وكثرة الدراسات النظرية التي مناهجها وتخصصاتها لا يحتاجها سوق العمل؛ لأنه تشبّع منها، ولأنّ حاجات السوق تتطور بشكل سريع لم تستطع كثير من مناهجنا وخططنا التعليمية مواكبته، يضاف إلى هذا بعض الأمراض الاجتماعية المتراكمة التي أفرزت قلة الاحترام للحِرَف (الأعمال اليدوية) مع أن أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام - كانوا يحترفون ويعملون بأيديهم، (نوح بحار، وإدريس خياط، وداود حداد، ومحمد صلى الله عليه وسلم رعى الغنم)، وكان - عليه الصلاة والسلام - يساعد أهله في أعمال البيت كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. 

أيضاً نجد مثالية غريبة تظهر في التشدُّد الغريب في قبول من يرغبون في دراسة الطب والهندسة، بوضع شروط قاسية جدا، في الوقت الذي نساهل في استقدام أطباء ومهندسين مهارات الكثير منهم متدنية، فأصحاب المهارات العالية في هذه التخصصات استغنوا عن التغرّب، وقابل ذلك التشددَ المفرط في قبول راغبي دراسة الطب والهندسة والعلوم تساهلٌ مفرط في قبول أو تحويل المتقدمين للكليات النظرية، من غير التنسيق مع الشركات الكبرى ورجال الأعمال الفعالين في معرفة ما تحتاج له أعمالهم من مهارات وتخصصات علمية وفنية. 

إنّ المؤسسة العامة للتعليم التقني والتدريب الفني يقع عليها عبء كبير في التحوُّل الاقتصادي الذي سوف يصنع لأولادنا وبلادنا مستقبلاً أفضل، خاصة إذا تم التنسيق مع شركات القطاع الخاص في وضع مناهجها وترجيح القبول في المطلوب من السوق، مع تسهيل القبول في كليات الطب والهندسة والعلوم، وتحويل التعليم من مجرد حفظ وتلقين إلى نقد وتفكير.

نقلا عن الرياض