أعتقد أن المملكة هي أكبر ورشة تدريب للوافدين، على مستوى العالم، إذ يفد إلينا، ويوجد، ملايين من الإخوة الوافدين الذين قدِم الكثير منهم، إن لم يكن أكثرهم، وهم مجرد عمال عاديين لا يتقنون أي مهنة أو مهارة.. ثم يتدربون في منازلنا على السباكة والكهرباء واللياسة ومختلف مهن البناء، ويتدرب آخرون على إصلاح السيارات والمكيفات والثلاجات ومختلف الأجهزة.. يُمارس كثير منهم الأخطاء التي ندفع ثمنها حتى يعرفوا مبادئ المهنة مع طول التجريب.. التدريب عندنا وعلى حساب ممتلكاتنا وأعصابنا وأموالنا..
وإذا تدرب العامل قليلاً على أي مهنة - حسب التساهيل - حرص على استقدام ابنه وأخيه، قريبه أو صديقه، من العمالة الخام، التي لا تُحسن أي عمل كائناً ما كان، فيصحبه معه أسبوعاً أو اثنين، يرفع له السلم أو المسامير، ويطلب منه مشاهدته وهو يعمل، والتركيز على طريقة أداء العمل أو أسلوب التصليح - والمعتمد غالباً على طلب قطع غيار جديدة لا على إصلاح! - ولكسل كثير منا نطلب من العامل إحضار قطعة الغيار - والتي لا لزوم لها في الغالب لدى عامل ماهر - فيحضرها بثمن لا نعرف أهو عادل أم لا؟..
هكذا تجري الأمور في كثير من الأحوال، ويتدرب الملايين لدينا على مختلف المهن من الصفر، ونحن من يدفع الثمن، وهو ثمن مُضاعف، فالإصلاح غير مُتقن في الغالب، والثمن مرتفع، والمتدربون من السعوديين - الذين صرفت الدولة على تدريبهم الملايين - لا يستطيع كثير منهم منافسة هؤلاء العاملين، لأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة..
من المهم اختبار كل صاحب مهنة في بلده، من جهة مختصة، وعدم السماح له بمزاولة تلك المهنة في المملكة إلّا بعد نجاحه في الاختبار التطبيقي، مع طلب التأمين على عمله لدى شركات التأمين الوطنية، فإنه إذا ذهب لم يعد، ولن يجده من خُدع بعمله..
التنمية المستدامة لها جناحان: البحث والتدريب، مع العلم أن تدريب المواطنين - ثم لا يستطيعون ممارسة المهنة التي تدربوا عليها، لمنافسة الوافدين، يجعل ذلك التدريب يذهب هباءً منثوراً، دون الممارسة ينسى المتدرب ما تم تدريبه عليه، وتدريسه إياه، نظرياً وعملياً، فيظل عاطلاً أو يبحث عن وظيفة كتابية بسيطة، عائد المهنة عشرة أضعاف عائد تلك الوظيفة.
نقلا عن الرياض