يعتقد كثيرون أن خفض الفوائد البنكية (ومثلها عوائد الصكوك التي يقال إنها إسلامية!) يرفع الأصول من عقار وأسهم وذهب، باعتبار أن النقود لم تعد تولد النقود، وأن الاقتراض خيار قليل التكلفة ..
هذا مقنع من الناحية النظرية ولكنه لا يتحقق غالباً من الناحية الواقعية، لسبب بسيط، هو أن خفض البنوك المركزية للفائدة يدل على أن أشباح الكساد قادمة، وكلمة (الكساد) مُرّة كالعلقم على أسماع رجال الأعمال ومديري الشركات وأرباب الصناعة والخدمات، لأن الكساد، إن حل، يهوي بأسعار منتجاتهم، وربما يهدّد بقاءهم واستمرارهم إن طال -لا سمح الله-..
كثيرون يتحدثون عن ركود قادم يعقبه كساد، بسبب الحروب التجارية بين الدول الكبرى في الإنتاج، وما تخلّفه تلك الحروب من تدهور الأرباح وتسريح العمالة وازدياد معدلات البطالة، وبالتالي الضعف الشديد في إنفاق المستهلكين الذي هو المحرّك القوي الذي يجعل المصانع تدور وتربح، والوظائف تزداد، كذلك يضعف الإقبال على السياحة والخدمات، ويسود الخوف، والخوف أقوى من الطمع..
إذن فإن خفض الفوائد ليس بشيرَ خير في كل الأحوال، فقد يكون نذير شرّ، والشرّ يراه مديرو البنوك المركزية من بعيد، وهم مُحَنّكون، يحاولون أن يوجهوا له ضربة استبقاية، قد تُصيب وقد تخيب..
إذن فإن انخفاض الفوائد لا يعني ارتفاع الأصول في الغالب، ارتفاع الأصول يعتمد على الأساسيات التي هي ارتفاع عوائدها ونموها، وإقبال المستهلكين على مخرجاتها، باستثناء الذهب الذي يعتبر الملجأ الآمن ضد التقلبات غير الراشدة مثل عمليات التيسير الكمي إذا تواصلت. إن خفض الفائدة يدل على خوف من مرض الجسد الاقتصادي العالمي، بدأت أعراضه في الظهور، وما انخفاض الفائدة هنا إلا مجرد (مُسكّنات) لا تُعالج المرض الحقيقي.. علاجه في سلامة الجسد الاقتصادي العالمي وقوته ومناعته التي تعتمد على تعاون أعضائه لا تحاربهم، وعلى توجيه الموارد النادرة (والأموال نادرة دوماً قياساً بحاجات مليارات البشر) إلى القطاعات المنتجة في بيئة تنافسية عادلة صحية خالية من الحروب التجارية والمعوقات المصطنعة التي تزيد جسد الاقتصاد العالمي وهناً على وهن.
نقلا عن الرياض
اختلف معك يادكتور