وهو يشبه ذلك الطريق الطويل جداً، الذي يوجد فيه مرتفعات كبيرة تمتد أمام السائرين كأنما هي بلا نهاية، ثم، وفجأة، تأخذ في الانحدار التدريجي وأحياناً الانحدار المفاجئ والخطير، وبعد المنحدر، طال أو قصر، يستمر الطريق مستوياً لا عِوَج فيه، ثم تخرج مرتفعات أخرى تعقبها - لا محالة - انخفاضات مماثلة.. وهكذا بالتناوب على طول الطريق الذي ليس له نهاية معروفة، فهو - على الأقل - أطول من أعمار المستثمرين، وأشدّ غموضاً من توقعات المحللين، وأبعد مدى من أي تنبؤات مستقبلية مهما كانت النماذج التي بُنيت عليها تلك التنبؤات..
والرأسمالية أو الاقتصاد الحر، هي تقريباً أفضل النماذج البشرية التي جرّبها البشر، بعد (الاقتصاد الإسلامي) الذي حال دون تطبيقه كاملاً جمود الاجتهاد، ومتغيرات العصر دون مواكبة فقهية واعية، فالرأسمالية، أو الاقتصاد الحر، ميزتها التنافسية في خلق حوافز العمل والإبداع لدى الأفراد والشركات، بل والدول والمجتمعات، وجعل (يد السوق الخفية) تُساوي طريق الرأسمالية الطويلة قدر الإمكان، وبأقل ضرر ممكن، مع وجود أنظمة صارمة تُحارب الغش والاحتكار والتدليس، وتحمي حقوق المبتكرين، وتعمل على تحفيز (المنافسة الكاملة) قدر الإمكان، لأنّ (المنافسة الكاملة) مثل (سوق الأسهم العادلة) من الصعوبة بمكان أن تتحقق على الوجه الأمثل، لأنها تصطدم بنفسيات الجموع البشرية الهائلة المتقلبة المزاج بين التفاؤل والتشاؤم، الطمع والخوف، الأمانة والفساد..
الرأسمالية بلا (أنظمة صارمة) و(عقوبات رادعة) تصبح غابة يأكل القويُّ فيها الضعيف، ويسيطر فيها المحتكرون الظاهرون أو المختفون بإيجاد خلل مُفتعل بين العرض والطلب، وهما أساس التسعير، وآلية السوق السليمة، إذا تمّا بأمانة ومنافسة شريفة، ولكن، حتى مع وجود ذلك الشرط الصعب، يظل (طريق الرأسمالية) عُرضة للمرتفعات المخيفة، والمنخفضات المزعجة، بين تضخم وكساد، وارتفاع وانخفاض، مع وجود (الحُفَر على طول الطريق) والتي يقع فيها المسرعون وضعيفو النظر، وقليلو التحوّط والحزم..
ويبدو أن أفضل وسيلة لتحقيق النجاح في الاقتصاد الرأسمالي وعبور طريقه الصعب بأعلى ما يمكن من الأمان وتحقيق أفضل ما يستطيع المستثمر من متوسط الأرباح، يشبه طريقة قيادة السيارة في درب طويل شبه مجهول، يلزم فيه العاقل الهدوء والانتباه وعدم الاندفاع، مع محاولة سبر أغوار الطريق قدر الإمكان.
نقلا عن الرياض
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع