حقق مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» نجاحاً لافتاً في دورته الثانية؛ برغم ما واجهه من حملات إعلامية وجهود تحريضية من اللوبيات الغربية الفاعلة لحمل المشاركين على مقاطعته وبالتالي إفشال المؤتمر تمهيداً لتقليص أهميته العالمية؛ وإزاحته عن ساحة مؤتمرات الاستثمار العالمية التي باتت تشكل جسراً لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وعقد الشراكات العالمية، وتنفيذ المشروعات العملاقة.
غاب عن ذهن المحرضين ثقل المملكة السياسي والاقتصادي؛ وما تمثله في قطاع الاستثمارات العالمية؛ وقدرة قادتها على مواجهة المتغيرات الدولية والضغوط السياسية المفاجئة، وإدارة أزماتها بكفاءة واقتدار. أسقط في أيدي المراهنين على فشل المؤتمر، بعد النجاح الكبير الذي حققه، والذي أكده حضور 4500 مشارك يمثلون 88 دولة والصفقات الموقعة بقيمة 56 مليار دولار.
أسهمت الجلسة التي شارك بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ في تعزيز نجاح المؤتمر، واستئثاره بتغطيات عالمية. تمكن ولي العهد من تحويل اهتمام العالم نحو رؤيته التنموية الإستراتيجية التي عبر عنها بوضوح وطموحه الذي تجاوز السعودية ليصل إلى دول الشرق الأوسط؛ حيث توقع أن يتحول خلال السنوات القادمة إلى؛ أوروبا الجديدة؛ عطفاً على خطط التنمية وبرامجها التي تنفذ في دول الخليج؛ ومصر ولبنان والأردن؛ مؤكداً أنه لا يريد أن يفارق الحياة قبل أن يرى شرق أوسط متقدم عالمياً.
وهنا تبرز اختلافات الرؤى والنوايا تجاه العالم والمنطقة على وجه الخصوص. ففي الوقت الذي قامت فيه إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد على نظرية «الفوضى الخلاقة» التي دمرت العالم العربي وأسهمت في قتل وتشريد ملايين الأبرياء؛ جاءت رؤية ولي العهد مصححة لها، ومتخذة من التنمية قاعدة محفزة لحكومات دول الشرق الأوسط وشعوبها.
شتان بين من يسعى إلى تدمير المنطقة تحقيقاً لمصلحته الخاصة وأطماعه الشيطانية، وبين من يسهم في بنائها وتنميتها وتحقيق رخاء شعوبها وتمكين حكوماتها. إنها إستراتيجية التنمية لوقف الفوضى، وبناء الأوطان وغرس الأمل في نفوس الشعوب العربية ومد جسور التعاون والتكامل بينها. لم يهمل الأمير محمد بن سلمان تفنيد ادعاءات المرجفين بفشل الإصلاحات الاقتصادية، من خلال الأرقام الموثقة، والبيانات الصادرة من المنظمات الدولية التي أثبتت نجاعة الإصلاحات؛ وبخاصة الإصلاحات الاقتصادية التي غذت نسبة النمو، وأسهمت في تحسنها الكبير مقارنة بالتوقعات؛ والإصلاحات المالية التي انعكست على حجم الإنفاق العام الذي تجاوز لأول مرة 1.1 تريليون ريال؛ والإنفاق الاستثماري على وجه الخصوص، إضافة إلى تحسن البيئتين التشريعية والتنافسية، والأداء الحكومي.
نجح مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في تحقيق أهدافه برغم الظروف المحيطة؛ وهو أمر يحسب لصندوق الاستثمارات العامة؛ وفريق العمل المسؤول عن المؤتمر، الذي قام بجهود مضنية للمحافظة على مكاسب المؤتمر في دورته الأولى وتعزيزها في دورته الثانية. أتمنى أن يقوم صندوق الاستثمارات بتحويل «مبادرة مستقبل الاستثمار» إلى مؤسسة مستقلة بمجلس إدارة وأمانة تتولى إدارته وتعزيز مكاسبه.
نقلا عن الجزيرة