حديث الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبرغ نهاية الأسبوع الماضي لم يكن مقتصرًا على رده على تصريحات الرئيس ترمب، لِتبيان عدم اعتماد المملكة على أحد غير الله في ضمان أمنها، بل كان ردًا شاملًا - وبصورة قوية لا تخفى على أحد - مُتناولًا كل ما يدور في الأذهان سياسيًّا أو اقتصاديًّا، واستطاع به إحداث نوع من الاطمئنان لدى المواطن السعودي.
ولست هنا بصدد تكرار ما ذكره سموه حول مختلف الموضوعات، كما لا أدعي أنني أفهم في دهاليز السياسة وتشعباتها؛ فأنا طالب علم في مجاليْ الاقتصاد والنفط ليس إلّا، وإنَّما بصدد التعليق على بعض النقاط الواردة في الحديث، فكل نقطة ذكرها الأمير محمد تحتاج إلى مقال مفصَّل حولها.
سأبدأ أولاً بالقول: إنَّ حجم الشفافية التي تمتَّعَ بها الحديث كانت أكثر من كافية للإجابة عن أسئلة ظلَّتْ عالقة في الأذهان. ومع معرفتنا بحجم الانشغالات التي تستحوذ كامل وقت الأمير محمد، إلَّا أنَّ ما وُعدنا به من أنه ستكون هنالك تصريحات دورية منه ومن المسؤولين، نتعشم أن نطالب بمزيد منها، وبالشفافية والتصور الواضح لمختلف الأمور اللذين لاحظناهما في لقاءاتنا الخاصة معه، وتلك تُعَدُّ «موهبة» لا يمتلكها الكثير.
والرد الوارد في عباراته على كثير من التساؤلات العالقة في الأذهان، أفاد بنقطة مهمة وهي «أننا مثلنا مثل كل البشر نصيب ونخطئ... واكتسابنا لمزيد من الخبرة مع مرور الوقت قد أوضح لنا بعض الأخطاء التي يجرى تعديلها»، و«إنَّ تطوير تطبيق الرؤية عمل دائم ودؤوب.. لكن في اتجاه واحد فقط...». هذه الواقعية في الرؤية، وحدوث أخطاء في التطبيق كان ولا يزال متوقعاً، ولابد من الاعتراف به، وبأنَّ التعديل كلما سرنا في مسار التطبيق يعطي اطمئنانًا للمواطن السعودي، ولا يجب أن نتوقع اختفاء الأخطاء وإلى عام (2030).
الأمر الآخر الذي قد نغفل عنه جميعًا يتمثل في أنَّ هنالك فجوة زمنية لبعض خطوات تطبيق الرؤية وبرامجها وتحصيل نتائجها. إذ لا يمكن توقع حصولنا على منتجات هذه البرامج وأرباحها الاقتصادية والاجتماعية بين يوم وليلة. وذلك التوقُّع غير المنطقي قد تسبب في وجود حالات من عدم اليقين بين بعض شرائح مجتمعنا السعودي.
بل تجاوزها البعض بقوله «إنَّني أدفع للدولة من خلال الرسوم أكثر مما يتحقق»، وهذا صحيح فقط في حالة جمود تطبيق الرؤية وبرامجها، لكن من العدل والإنصاف الإقرار بأنَّ هنالك تحركًا في جميع القطاعات نحو الأفضل، بإذن الله. وعلينا التحلي بالصبر لنصل جميعًا وبحلول عام (2030) إلى بر الأمان.
وحديث الأمير محمد قد جارى أكثر الناس تشكُّكًا في الرؤية؛ بما ذكره من أنَّنا «إذا حققنا 50% فقط من الرؤية، فحتمًا سيكون ذلك أفضل بكثير ممّا كنّا عليه في الماضي..». وبالطبع لا يمثل ذلك هدفًا لديه، بل فيه مُجاراة للمتشائمين.
وقد يستعين الأمير محمد بالكفاءات السعودية الشابة ذات التعليم العالي، والخبرات الكافية - وهم منتشرون في مختلف مناطق المملكة - وبعضهم لايزال يبحث عن فرص عمل؛ فهم بحاجة إلى ثقة تمنح لهم، ومستعدون لأنْ يعملوا في أيِّ مكان في المملكة خدمة لوطننا الغالي. وهذا أمل الجميع فيه، بعد الله.
أمَّا الجانب النفطي، وقد ركز عليه الأمير محمد في حديثه الصحفي، فقد جاء ضمن سياق إجابته على طلب الرئيس ترمب من المملكة ودول الأوبك زيادة الإنتاج النفطي؛ تَحسُّبًا لحدوث أزمة نقص في الإمدادات العالمية من النفط نتيجة غياب إنتاج بعض الدول، وعلى رأسها إيران التي ستغيب معظم صادراتها مع حلول نوفمبر القادم.
وقد ذكًرَ الأمير محمد بن سلمان، بمعنى ضمني، بأنَّ المملكة لا تحتاج لمن يذكرها بمسؤولياتها تجاه استقرار سوق النفط العالمية؛ فكَمْ من أزمة نقصٍ في الإمدادات النفطية قد قامت المملكة منفردة بسدِّها؛ عن طريق زيادة الإنتاج من خلال الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تحتفظ بها على الدوام، وهي لا تقل عن مليوني برميل يوميًّا على مر العقود الماضية. ومختلف الدول وعلى رأسها أمريكا وقبل أن يأتي الرئيس ترمب تشهد للمملكة بأنها «مصدرٌ آمنٌ وموثوق ويمكن الاعتماد عليه». والمملكة تقوم بأداء ذلك الدور لمصلحتها أولاً وقبل كل شيءٍ، ثمَّ لمصلحة الاقتصاد العالمي. فهل كانت بحاجة إلى أنْ يذكرها الرئيس ترمب بذلك؟ لا أحد يظنُّ ذلك.
والسعودية ومن خلال مسؤوليتها الجماعية في أوبك والمنتجين الآخرين، قد زادت إنتاجها النفطي حتى قبل مطالبة الرئيس ترمب، وذلك وفق ما تُمليه الدراسات التي تُجريها داخل المملكة، ودراسات الأوبك أيضًا. وبمرور عابر على دراسات وكالة الطاقة الدولية - ولا يَحْسُنُ أنْ نثق بها كثيرًا، لأجندتها التي تعمل بها وهي تخدم جبهة المستهلكين دون المنتجين - يَتبيَّنُ أنَّها زيادات إنتاجية مقننة. وتتجهز المملكة حاليًّا لضخ مزيد من النفط في الأسواق إذا استمر تدهور الإنتاج الإيراني وغيره.
وهذا لا يعفي الولايات المتحدة من أن تقوم بدورها نحو استقرار الأسواق، فهي قد أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بإنتاج يفوق الأحدَ عشرَ مليونَ برميلٍ يوميًّا، كما أنَّ لديها احتياطيًّا استراتيجيًّا يفوق السبعمائة مليون برميل، وعلينا مطالبتها بذلك كما تطالبنا هي به.
ونقطة أخرى لابدَّ من لفت الانتباه إليها، وهي أنَّ ضخِّ السعودية لكامل أو معظم طاقتها الإنتاجية، يُحدث أثرًا عكسيًّا في الأسواق، يتثمل في تخوفات المضاربين من مختلف السناريوهات الخاصة التي تقول: «لو لم يغطِّ هذا الإنتاج النقص في الإمدادات النفطية العالمية.. فمن أين لنا بطاقة فائضة؟»
وختامًا، فإنَّ أملنا بعد الله أن يستمر أميرنا محمد بن سلمان في «طلته» علينا بين الحين والآخر، ولتكنْ كل شهرين أو ثلاثة، فنحن متعطشون للإيجاز الذي يقدمه لنا، وشفافيته المطلقة التي أكسبتنا وتكسبنا مزيدًا من الثقة في رؤيتنا ومسيرتها. ونحن واثقون بأنَّنا سنصل - إنْ شاء الله ـ إلى برِّ الأمان معه، ونفتخر ليس فقط بـ «جدة غير» بل، وبـ «المملكة غير» أيضًا.
نقلا عن عكاظ
الناس متعودة على زراعة المحصولات الحقلية التي تجنى خلال اسابيع او اشهر اما غرس الاشجار المثمرة وذات العائد الاعلى فيحتاج جتى ثمارها الى سنوات.