صدر الأسبوع الماضي التقريرين الشهريين عن أسواق النفط لكل من منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) والوكالة الدولية للطاقة (الوكالة).
يشير تقرير "أوبك" إلى الارتفاع الملحوظ لأسعار سلة نفوط "أوبك" خلال 2018. فارتفعت السلة 70 في المئة منذ نهاية 2016 إلى الوقت الحاضر. فازدادت الأسعار 30 دولار خلال المدة نفسها ليتراوح معدلها حول 73.27 دولار للبرميل في تموز (يوليو) 2018. يعود السبب إلى عوامل جيوسياسية، وانخفاض فائض المخزون النفطي العالمي، وارتفاع الطلب على النفط في ظل التحسن الاقتصادي الدولي.ازدادت صادرات النفط خلال 2018 من الدول النفطية الثلاث الكبرى (الولايات المتحدة والسعودية وروسيا). فارتفعت الصادرات الأميركية بسبب الفرق السعري ما بين معدل نفط "غرب تكساس المتوسطة" المؤشر لأسعار النفوط الأميركية ونفط "برنت" المؤشر في بقية العالم. إذ بلغ الفارق بين سعر المؤشرين نحو 12 دولار لصالح "برنت" في أيار (مايو) 2018. ما ساعد على زيادة الصادرات الأميركية. كما ساعد على الزيادة هذه عدم توفر طاقة استيعابية كافية (الانابيب) للبنى التحتية في حوض "برمين" حيث الإنتاج الأكبر للنفط الصخري. وأدت احتمالات المخاطر الجيوسياسية بعض الأحيان إلى ارتفاع الأسعار، على رغم استقرارها على نطاق سعري حول 70-75 دولار مؤخرا. وإضافة إلى زيادة الإنتاج من الولايات المتحدة، ازداد الإنتاج أيضاً في كل من روسيا والسعودية بناء على التعاون النفطي ما بين الدولتين. وارتفع الإنتاج الليبي من مستوياته الدنيا ليتراوح الإنتاج حول مليون برميل يومياً.
وأبرزت الوكالة آثار الطقس الحار غير الاعتيادي خلال فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي. فقد أدت الأرقام القياسية التي بلغت نحو 48 درجة مئوية إلى اختلالات وتغييرات في وسائل استغلال الطاقة. فأدى انخفاض مستوى نهر "الراين"، مثلاً، إلى تعطيل إبحار سفن الشحن في هذا الممر المائي المهم . كما أدى ارتفاع الحرارة إلى تعطيل العمل موقتاً في بعض مصافي التكرير الأوروبية. وعرقلت المياه الحارة تشغيل محطات الطاقة النووية المولدة للكهرباء. وازداد استهلاك مكيفات الهواء وتبريده.
تشير الوكالة إلى أن التخوف من انقطاع إمدادات النفط قد انحسر، على الأقل في الفترة الحالية. والسبب هو ارتفاع إنتاج الدول النفطية الكبرى الثلاث. فارتفع مثلاً معدل الصادرات النفطية الأميركية إلى نحو 3 مليون برميل يومياً.
لكن تضيف الوكالة، أن التركيز الكبير على الأمور الجيواستراتيجية (لا سيما الحصار الأميركي النفطي على إيران في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، والتأثير السلبي المحتمل للحروب التجارية بسبب سياسات فرض الضرائب الجمركية المتبادلة التي تعيق من حركة التبادل التجاري العالمي)، فقد أدى هذا التركيز على الجيواستراتيجيات وغض النظر إلى حد ما عن ظاهرة الزيادة الملحوظة في الطلب على النفط.
وتشير الوكالة إلى أنه من المتوقع أن يزداد الطلب في 2018 نحو 1.4 مليون برميل يومياً. لعب ازدياد إلطلب خلال الربع الأول من العام، دوراً كبيراً في زيادة الطلب السنوية. إذ إن البرد القارص في الفصل الأول من 2018 في نصف الكرة الشمالي أدى إلى زيادة استهلاك وقود التدفئة، وارتفع معدل الطلب خلال هذا الفصل أكثر من 1.8 مليون برميل يومياً، ما أدى الى زيادة معدل الطلب السنوي. أما في الفصلين الثاني والثالث من العام، فقد ارتفع الطلب نحو 1 في المئة في كل فصل، مقارنة بالفترات ذاتها للسنة الماضية.
يستفاد من التقريرين أن التغيرات الكبرى في الطقس المناخي لنصف الكرة الشمالي لعبت دوراً أساسياً في تقلبات العرض والطلب خلال 2018. فتجربة البرد القارص خلال فصل الشتاء في الدول المستهلكة الغربية أدت إلى ازدياد استهلاك وقود التدفئة. أما في فصل الصيف، فقد سجلت درجات الحرارة في بعض الدول الأوروبية أرقاما قياسية، مما زاد بدوره استهلاك وسائل التبريد ومن ثم الكهرباء.
إن الملفت للنظر هو دور وتأثير العامل الجيواستراتيجي على الأسواق. فعلى رغم التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على صادرات النفط الإيراني، فقد استمرت الأسعار على معدلاتها لهذه الفترة، إذ تراوحت حول 75 دولار للبرميل، وبالذات ما بين 70-75 دولار. يكمن السبب في ذلك، أنه لا يتوقع حدوث شح في الامدادات في حال توقف الصادرات النفطية الإيرانية. اذ قد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة الإنتاج لمواجهة النقص المحتمل. يبلغ معدل الصادرات الإيرانية نحو 2.4 مليون برميل يومياً (يتم تصدير نحو 1.8 مليون برميل نفط منها إلى الصين والهند وكوريا ونحو 400 ألف برميل يومياً إلى أوروبا والبقية إلى أفريقيا وتركيا).
استطاعت الدول النفطية الكبرى الثلاث زيادة الإنتاج مسبقا بأكثر من هذا المعدل لتلافي أي نقص مستقبلي محتمل. كما أنه من غير الواضح حتى الآن ما هو النقص الفعلي المتوقع للصادرات الإيرانية. وأعلنت كلا من الصين والهند عن عزمهما الاستمرار في الاستيراد، وذلك لاتباعهما فقط القرارات الدولية لمجلس الامن. وفي غياب مشاركة هاتين الدولتين الاسيويتين العملاقتين في الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة، فسيكون الحصار محدوداً جداً. وحتى لو نفترض أن الدول الأوروبية ستشارك الولايات المتحدة في الحصار، وهذا أمر غير واضح حتى الآن نظراً إلى عدم موافقة كثر منهم لتغيير موقف الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، فالأمر لن يؤثر كثيراً في إيران اقتصادياً.
لو افترضنا المقاطعة الأوروبية ، فمن المتوقع عندئذ ازدياد الأسعار لاضطراب الأسواق والاشاعات التي سترافقها. ما يعني محدودية حصار الصادرات في نفس وقت زيادة الأسعار. طبعاً، هذا السيناريو قد يستبدل بسيناريو أخرى في حال نشوب عمليات عسكرية، لا سيما إذا قرر البيت الأبيض الاستمرار في معارضته للنظام الإيراني ومحاولة الإطاحة به، كما تدعو إليه بعض القوى الأميركية المؤيدة للرئيس ترامب. عندئذ تأخذ الأمور منحى آخر غير المنحى النفطي فقط.
نقلا عن الحياة