من البديهيات التي لا جدال فيها أن الطاقة أُم الاقتصاد.. سواء كان الاقتصاد بدائياً منذ كان الإنسان الأول يسعى في الأرض للحصول على التدفئة، والاستضاءة، وطهو طعامه مباشرة من أشعة الشمس وهبوب الرياح ومساقط المياه. أو كان الاقتصاد متطوراً حيث أصبحت الكرة الأرضية قرية يجوبها الإنسان - بالطول والعرض - مُتنقلاً بين أطرافها، مُستخدماً البترول كأكبر مصدر للطاقة (كما سنوضح أدناه)، ثم مصادر الطاقة الأخرى.
الرسم البياني في الصفحة العاشرة من إحصائية شركة البترول البريطانية (BP) الصادرة في 15 يونيو (قبل شهر) يحتوي على النسبة لمختلف مصادر الطاقة التي يستخدمها الإنسان المعاصر منذ بداية العام 1992 إلى نهاية العام 2017.
البترول - كما يقول لنا الرسم البياني المذكور - هو أكبر مصادر الطاقة التي يستهلكها الإنسان وفقاً لأرقام العام 2017. فالبترول وحده يمد الإنسان بنسبة 34,2 % (أكثر من ثلث) إجمالي الطاقة، ثم الفحم 27.61 %، ثم الغاز 23.35 %. بينما المصادر الأخرى بما فيهم النووية وجميع المصادر المتجددة لا تتجاوز 14.84 % من إجمالي استهلاك الإنسان للطاقة.
عندما نُقارن النسبة المستهلكة يومياً من البترول بالعمر المتبقي للبترول الذي لا يتجاوز 50,2 سنة (كما وضحنا في زاوية الأحد الماضي) فإنه يبدو واضحاً أنه ضرب من الخيال أن يستطيع الإنسان خلال نصف قرن الاستغناء عن البترول.
السؤال الجوهر هو: هل تستطيع السيارة الكهربائية (كما يزعم صندوق النقد) أن تحل مكان سيارة البنزين بالكامل خلال 10 إلى 25 سنة؟
الجواب على هذا السؤال نجده في الصفحة 7، ثم في الصفحتين (50، و51) من إحصائية الشركة البريطانية، حيث تحتوي هذه الصفحات الثلاث على احتياطيات المواد (اللثيوم، والكوبالت) المستخدمة في صنع البطاريات الكهربائية.
وفقاً للإحصائية فإن احتياطي الكوبالت (cobalt) يكفي 52 سنة، وإن احتياطي اللثيوم (lithium) يكفي لمدة 358 سنة وفق استهلاك السيارات الكهربائية الحالي التي لا يتجاوز عددها المليوني سيارة كهربائية فقط العام 2017.
من واضح أنه لو افترضنا صحة توقعات صندوق النقد الدولي بأن عدد السيارات الكهربائية سينمو بمعدل نمو سيارة البنزين في بداية القرن المنصرم، فإن احتياطي اللثيوم - فما بالكم باحتياطي الكوبالت - سينضب بحلول العام 2026 (بعد 8 سنوات فقط)، ما لم يحدث اختراق تكنولوجي مُفاجئ يكسر عُنق الزجاجة لكي يخرج مارد السيارة الكهربائية من قُمقُمه.
العقبة: الكوبالت واللثيوم ناضبان، وحجمهما ضئيل بالنسبة للحاجة المتزايدة إليهما، وارتفاع أسعارهما مُطّرد مع نمو السيارة الكهربائية. وكذلك أيضاً نصف (49.3 %) احتياطي الكوبالت يوجد في الكونغو وحدها، والنصف الآخر تحتكره دولتان فقط، كذلك احتياطي اللثيوم نصفه (46.9 %) يوجد في تشيلي وحدها، والنصف الآخر تحتكره ثلاث دول فقط.
نقلا عن الرياض
الخصم الوحيد للنفط التقليدي هو العلم وتطبيقاته كما حصل مع النفط الصخري الذي ظل مكتشفاً منذ عقود عديدة ولم يتمكن من استخراجه (تجارياً) الا منذ سنوات والفضل بالاساس يعود الى ارتفاع اسعار النفط التقليدي. الصورة ستتضح اكثر اذا عرفنا نسب استخدام الطاقة ونسب النمو المتوقعة في كل قطاع حسب نوعها ناهيك عن المتطلبات البيئية الصارمة في الدول المتقدمة غير موجودة في النامية.