أدت التصريحات الرسمية والتسريبات الإعلامية، إلى تعزيز التوقعات حول إقدام منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها في «مجموعة الـ24» من الأقطار المصدّرة غير المنتمية إلى المنظمة، على زيادة الإنتاج في اجتماع المجموعتين في فيينا في 22 حزيران (يونيو) الجاري و23 منه. وفي حال صحّت هذه الترجيحات، فستكون المرة الرابعة التي تغيّر فيها المنظمة سياستها الإنتاجية منذ الخلل الذي طرأ على ميزان العرض والطلب العالمي، عند بدء الإنتاج الضخم للنفط الصخري الأميركي في صيف 2014.
ويشكل تغير السياسة الإنتاجية للمنظمة هذه المرة أهمية في سياستها منذ صيف 2014، حين أخذ أقطار «أوبك» يتعاملون مع ازدياد النفط الصخري. والسبب في التغير واضح الآن، إذ ارتفع مستوى الأسعار، فيما يكاد يختفي فائض المخزون التجاري العالمي.
وزاد سعر «برنت» إلى 80 دولاراً للبرميل في نيسان (أبريل) وأيار (مايو) الماضيين. لكن الأسعار تراجعت إلى منتصف السبعين، بعد إعلان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عن إمكان زيادة الإنتاج.
تتعدد أسباب الزيادة الأخيرة في الأسعار، لكن أبرزها نجاح «أوبك» وحلفائها في خفض الإنتاج إلى المعدل الذي اتُفق عليه نهاية عام 2016 ، بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً. وذلك لتقليص فائض المخزون التجاري إلى معدله في السنوات الخمس الماضية، وهذا الهدف تحقق، بمساعدة عوامل كثيرة، أولها التفاهم والتنسيق السعودي– الروسي، والتزام تعهدات الأعضاء في المجموعتين. ولا يُغفل تدهور الإنتاج في كل من نيجيريا وليبيا وفنزويلا، بسبب النزاعات السياسية الداخلية فيها. يُضاف إلى ذلك القرار الرئاسي الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة على صناعة النفط الإيرانية وصادراتها، الأمر الذي أثار مخاوف في الأسواق من احتمال نقص الصادرات الإيرانية بنحو مليون برميل يومياً.
وارتفعت أيضاً أسعار وقود المواصلات في الأسواق الأميركية إلى مستويات عالية، بحيث لامس سعر غالون البنزين ثلاثة دولارات أو أكثر. ويشكل هذا السعر خطاً أحمر في الولايات المتحدة، ويصعب على السياسيين إغفاله من حساباتهم، وتحديداً قبل انتخابات مقررة في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وعلى رغم تغير السياسة الإنتاجية هذه، التي ستطغى على جدول أعمال مؤتمر»أوبك» و «مجموعة الـ24». يستقطب اهتمام المراقبين موضوع آخر، يتعلق بنتائج المفاوضات خلال الأشهر الماضية بين المنظمة وروسيا، وإذا كانت ستستمر علاقات التعاون والتنسيق القائمة حالياً، أم أنها ستتطور إلى مستوى آخر. لكن التصريحات الكثيرة الصادرة أخيراً عن احتمال تطور العلاقة بين الطرفين، تخطت خلال الأشهر الماضية كل التوقعات السلبية عن إمكان نجاحها، كما دحض تعديل الأسعار وخفض فائض المخزون التجاري النفطي، التشاؤم حولها.
السؤال الذي يُطرح الآن، هو حول الإطار المؤسسي للتعاون المستقبلي، إذ ليس سهلاً ضم روسيا إلى «أوبك»، لأن قرارات المنظمة المهمة تؤخذ بالإجماع، فيما تجد روسيا صعوبة في قبول هذا المبدأ، وهي الدولة الكبرى. ومن الصعب أيضاً على موسكو، القبول بمساواة صوتها مع بعض الدول الصغيرة الحجم في المنظمة، لذا لا يتوقع انضمامها إلى المنظمة، بحيث يمكن مشاركة روسيا في المداولات التي تجريها المنظمة، كما هو حاصل حالياً، بصفة مراقب وليس عضو في المنظمة.
والسؤال الذي يُطرح أيضاً، هو حول الشكل التنظيمي الذي يمكن روسيا التعاون فيه مع المنظمة مستقبلاً، وموقع الدول المصدرة الأخرى ودورها. وتكمن أهمية هذه الأسئلة في خلق مؤسسة للتعاون المستمر والسريع بين المصدرين، لاستقرار الأسواق خصوصاً عند تدهور الأسعار أو ارتفاعها.
استمرت الدول في المجموعتين منذ أوائل 2017 في خفض سقف إنتاجي أو تحديده إلى مستوى معين لا تتجاوزه. واستفادت الدول المصدرة من زيادة الأسعار، لكن على رغم ازدياد الريع النفطي، اضطرت هذه الدول إلى الحد من زيادة طاقتها الإنتاجية، لعدم تمكنها من إضافة النفط الجديد إلى إنتاجها. لكن بعض الدول التزمت مع شركات دولية لتطوير الحقول، وحصل ذلك فعلاً، وأصبحت الحقول جاهزة للإنتاج، ما يفرض على الدول الوفاء بالتزاماتها للشركات التي نفذت المشاريع، إلا أن إنتاج الحقول بقي مجمداً أو محدوداً. والكلام هنا عن مشاريع ضخمة ذات طاقات إنتاجية عالية جداً تزيد على مليون برميل يومياً، كما هي الحال في تطوير واحد من أكبر الحقول المكتشفة في العالم خلال الفترة الأخيرة، وهو حقل كاشغان في كازاخستان. إذ أدى هذا التأخر في تسويق النفوط الجديدة والخسائر المالية المترتبة عليها، إلى حال من التذمر.
والسؤال المطروح حالياً، يتعلق بمدى التأثير على الأسواق لزيادة الإنتاج المتوقعة، إذ يعتمد الأمر طبعاً على حجم الزيادة. فهل هو لتعويض النقص من أقطار «أوبك» التي تعاني من نزاعات سياسية داخلية حادة. وكيف سيتم تخمين هذا النقص، بمعنى ما هي الطاقة الإنتاجية المفترضة لهذه الدول، فهل هي بالحجم الذي كان قبل نشوب النزاعات الداخلية، أم تؤخذ في الاعتبار معدلات الإنتاج التي تم التوصل إليها أثناء الأزمات، على أن يُعوّض عن هذا الفرق في الإنتاج فقط.
من المستبعد جداً، بعد الجهود التي بذلت خلال العامين الماضيين، تبنّي معدلات إنتاج عالية جداً، بحيث تسبب تخمة في الأسواق قد تؤدي إلى تدهور الأسعار. لقد أصبح واضحاً، بعد الخوض في سلسلة من التجارب، أن اقتصادات الدول المصدرة هي الأكثر تضرراً من انهيار الأسعار. وفي حال ارتفاع الأسعار إلى معدلات عالية جداً، فهي ستقلّص الطلب على النفط وتشجع على اعتماد بدائل. من ثم، فإن خيار «أوبك» الأهم هو استقرار الأسواق واعتدال الأسعار.
لقد أبدت الصين والهند تذمرهما من ارتفاع الأسعار، نظراً إلى تأثيره السلبي على اقتصادهما، خصوصاً أنهما أكثر الدول المستوردة للنفط. لذا توجد مصلحة مشتركة في استقرار أسواقهما واقتصادهما الداخلي. من هنا لا يمكن المنظمة التغاضي عن هذا الأمر. في وقت يكتنف الغموض سبب الطلب الأميركي، فهل هو لزيادة الإنتاج تعويضاً عن النقص في صادرات النفط الإيراني. فإذا كان الأمر كذلك، فإن تجارب «أوبك» السابقة تدل على تعويض نقص الإمدادات من دول معينة لأسباب طارئة، لأن الشركات ستلجأ إليها لتنفيذ التزاماتها للدول المستوردة.
نقلا عن الحياة