سرقات المؤلفين واقتصاديات الحقوق الفكرية

15/03/2018 0
د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر

يقبل علينا معرض الكتاب في هذه الأيام، ومحبو المعرفة يتساءلون عن ضعف الحزم في التعامل مع السرقات الفكرية، وضعف المحافظة على حقوق المؤلف، لدرجة وصلت بالكثير منهم إلى اليأس والإحباط والامتناع عن نشر الإبداع، فكم رأينا من سرقات علمية للترقي في درجات علمية لدى الجامعات، وكم رأينا من المتشبعين بما لم يُعطَوْ ممن يجمع من هاهنا وهاهنا ويقول المؤلف أنا.

وبالرجوع لواقع المنشآت التعليمية يمكن معرفة الخلل في عدم الحزم مع السرقات العلمية للطلاب، فيبدأ الطالب في مسيرته العلمية والبحثية بعدم الاحترام الكافي لحقوق الآخرين الفكرية، وقد كان لي سابق تجربة بالتدريس الأكاديمي ولاحظت الآتي:

-بعض الطلبة يستخدم محرك البحث "قوقل" وينسخ منه دون عزو، وما أسهل كشف هذه السرقة، لكون أسلوب الطالب المبتدئ لا يتوافق مع أسلوب البحث المقدم.

-وبعض الطلبة ينسخ من البرامج التي تجمع الكتب، ويمكن كشف ذلك بسهولة أيضاً.

-والأدهى من ذلك والأمر، وجود محلات خدمات الطالب التي تعلن أمام الملأ باستعدادهم بكتابة البحوث وتقديمها للطالب بمقابل، كما أن بعض المواقع على الشبكة تقدم خدمات البحث عبر الإيميل، مع تحويل تكاليف البحث. بل إن بعض من يحصل على شهادات عليا، يتعاقد مع باحثين لكتابة البحث من بدايته إلى منتهاه مع الفهارس، وهذه جناية على الثقافة والمرافق العلمية تستحق الوقفة الحازمة من أصحاب القرار.

وبالرجوع إلى المنظم السعودي؛ نلحظ أنه حرص على حماية الحقوق الفكرية بإصدار عدد من التنظيمات؛ حماية منه لإبداع المبدعين، وحفظا لحقوقهم المادية والمعنوية، وأهم هذه الأنظمة:

1.نظام العلامات التجارية (الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/51 في 26 رجب 1435 الموافق 26 مايو 2014).

2.نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية (الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/27 المؤرخ 29/5/1425، موافق 17 يوليو 2004)

3.نظام حماية حقوق المؤلف (الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/41 المؤرخ 2 رجب 1424 الموافق 30 أغسطس 2003) 

4.نظام العلامات التجارية (الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/21 في 28 جمادى الأولى 1423 الموافق 7 أغسطس 2002 )  

5.نظام الأسماء التجارية (الصادر بالمرسوم الملكي رقم 15/م في 12 شعبان 1420 الموافق 20 نوفمبر 1999  

كما أن المملكة العربية السعودية وقعت عدة اتفاقيات دولية للحفاظ على حقوق المؤلفين، ومن أهمها:

1-اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية في  11 مارس, 2004)

2-اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية في (22  مايو, 1982)

3-منظمة التجارة العالمية - الاتفاق المتعلق بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (اتفاق تريبس) في  11 ديسمبر, 2005)

4-الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف في  13 يوليو, 1994 

إذن أين الخلل؟ فالأنظمة السعودية في غاية الحزم مع التعدي على الحقوق الفكرية، ومع ذلك نجد مرارة الواقع؟

قد يتذرع البعض بأن العلم رحم بين أهله، وأن السابقين من المؤلفين ينقلون عن بعضهم دون نكير، وهذه فرية تاريخية، فقد كان النقل دون عزو من معيبات التأليف، وقد حذر منه الشاعر بقوله:

ونص الحديث إلى أهله **** فإن الأمانة في نصه

وللشيخ، جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى: سنة 911 كتاب اسمه : (أنموذج اللبيب، في خصائص الحبيب) فأخذه بعض معاصريه، وأسنده إلى نفسه، فكتب السيوطي فيه مقامة منشورة ضمن مقامات السيوطي تسمى: (الفارق بين المصنف والسارق).

وقد كان العرب يعيبون سرقة المعاني الأدبية في قصيد الشعراء ويعدونه من العيوب المذمومة، وألفوا في ذلك كتبا مثل سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه - لأبي يوسف يعقوب بن اسحق البغدادي المعروف بابن السكيت المتوفى سنة 246. وكتاب سرقات البحتري من أبي تمام - لأبي ضياء النصيبي.

ويعد الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي من أكثر من ألف فيه بشأن سرقاته الشعرية،  ففما ألف في ذلك الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي وساقط شعره - لمحمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي، (المتوفى: 388هـ)، والرسالة السعيدية، في المآخذ الكندية، في مجلد. لأبي محمد: سعيد بن مبارك، المعروف: بابن الدهان النحوي. المتوفى: سنة 569،  وهي مشتملة على سرقات المتنبي. والمنصف، في الدلالات على سرقات المتنبي، لأبي محمد: حسن بن علي بن وكيع الشاعر. المتوفى: سنة 393،  ولابي سعيد محمد بن أحمد العميدي  رسالة الإبانة عن سرقات المتنبي لفظاً ومعنى " طبع بالقاهرة وهو صغير عدد صفحاته 88صفحة.

ويكاد يطبق الفقهاء المعاصرون على حماية الحق الفكري للمؤلف، وتحريم الاعتداء عليه، وتوج ذلك بقرارات مجمعية شهيرة، من أشهرها:

القرار رقم: 44 (4/9) بشأن حقوق التأليف للمؤلفين. الصادر عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ. حيث نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية: هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها؟ وهل يجوز شرعًا الاعتياض عنها والتعاقد مع الناشرين عليها؟ وهل يجوز لأحد غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه على أنها مباحة لكل أحد، أو لا يجوز؟

فصدر القرار بأنه يجب أن يعتبر للمؤلف والمخترع حق فيما ألف أو ابتكر، وهذا الحق هو ملك له شرعًا، لا يجوز لأحد أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعًا، أو بدعة أو أي ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلا فإنه حينئذ يجب إتلافه ولا يجوز نشره. وكذلك ليس للناشر الذي يتفق معه المؤلف ولا لغيره تعديل شيء من مضمون الكتاب أو تغيير شيء دون موافقة المؤلف، وهذا الحق يورث عن صاحبه ويتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيمًا وجمعًا بين حقه الخاص والحق العام، لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله. أما المؤلف أو المخترع الذي يكون مستأجرًا من إحدى دور النشر ليؤلف لها كتابًا، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئًا لغاية ما، فإن ما ينتجه يكون من حق الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقه الشروط المتفق عليها بينهما مما تقبله قواعد التعاقد.

كما ناقش الموضوع ذاته مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م، وقرر الآتي:

أولاً : الاسم التجاري ، والعنوان التجاري ، والعلامة التجارية ، والتأليف والاختراع أو الابتكار ، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها . وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً ، فلا يجوز الاعتداء عليها . 

ثانياً : يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بِعِوَض مالي ، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش ، باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً . 

ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً ، ولأصحابها حق التصرف فيها ، ولا يجوز الاعتداء عليها . 

كما أن المعيار الشرعي رقم (42) بشأن الحقوق المالية والتصرف فيها، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية قرر أن للحقوق المعنوية بأنواعها منها: الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية والرخصة التجارية، والملكية الذهنية أو الفكرية، والفنية، والصناعية، وحقوق الابتكار تعد من الأموال المحترمة شرعاً.

فسقطت جميع الحجج التي يتحجج بها لصوص الأفكار وسراق المعرفة، من السطو على إنتاج الآخرين.

ولكن قد لا يوقف هؤلاء إلا العقوبات الرادعة، كما قال ذو النورين عثمان – رضي الله عنه -  :" إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" أي: أن العقوبات تمنع من الاعتداء أكثر من الوعظ.

وباستعراض نظام حماية حقوق المؤلف الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/41 بتاريخ 2 رجب 1424هـ، يمكن التنبه للآتي:

-نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية على أن النظام يحمي المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم، أياً كان نوع هذه المصنفات، أو طريقة التعبير عنها، أو أهميتها، أو الغرض من تأليفها مثل المواد المكتوبة كالكتب ، والكتيبات، وغيرها.

-نصت الفقرة 12 من المادة الثانية على أن  الحماية تشمل كذلك عنوان المصنف إذا كان متميزاً بطابع ابتكاري ، ولم يكن لفظاً جارياً للدلالة على موضوع المصنف.

-نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة على أن النظام يحمي مصنفات التلخيص، أو التعديل، أو الشرح، أو التحقيق، أو غير ذلك من أوجه التحوير.، وفي الفقرة الثالثة التأكيد على أن النظام يحمي والمختارات التي تعد مبتكرة من حيث اختيار محتوياتها أو ترتيبها، سواءً أكانت مصنفات أدبية، أم فنية ، أم علمية.

فلوا ألف المبدع كتابا أو اختصره أو شرحه أو علق عليه أو حققه أو اختار له عنوانا جميلا مبتكراً فكل ذلك محمي بنص النظام.

ومن أكثر الاستفسارات الواردة في هذا المجال، الموقف من الأخذ من الكتب بلا عزو، وقد نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة عشرة : على أن من المشروع الاستشهاد بفقرات من ذلك المصنف في مصنف آخر، بشرط أن يكون الاستشهاد متمشياً مع العرف، وأن يكون بالقدر الذي يسوغه الهدف المنشود، وبشرط أن يذكر المصدر، واسم المؤلف في المصنف الذي يرد فيه الاستشهاد. وينطبق ذلك أيضاً على الخلاصة الصحفية المنقولة من الصحف والدوريات.

وقد يتساءل شخص عن تصوير كل أو بعض كتاب من الكتب لغرض غلاء ثمنه، أو عدم توافره بسهولة، والجواب عن ذلك مذكور في نص المادة الخامسة عشرة من النظام الفقرة الثالثة والتي تؤكد على مشروعية الاستعانة بالمصنف للأغراض التعليمية على سبيل الإيضاح في حدود الهدف المنشود، أو تصوير نسخة أو نسختين للمكتبات العامة أو مراكز التوثيق غير التجارية، ويكون بشروط :

أ – ألا يتم بشكل تجاري ، أو ربحي.

ب – أن يكون النسخ مقصوراً على حاجة الأنشطة.

ج – ألا يضر بالاستفادة المادية من المصنف.

د – أن يكون المصنف قد نفد، أو فقدت إصدارته ، أو تلفت.

وعند مخالفة ذلك فإن العقوبة الرادعة تنتظر المنتهكين لحقوق المؤلفين، والمذكورة في المادة الثانية والعشرين من النظام ونصها:

أولاً : يعاقب كل من خالف حكماً من أحكام هذا النظام بعقوبة أو أكثر من العقوبات الآتية:

الإنذار.

1-غرامة مالية لا تزيد على مائتين وخمسين ألف ريال.

2-إغلاق المنشأة المتعدية أو التي ساهمت في الاعتداء على حق المؤلف مدة لا تزيد على شهرين. 

3-مصادرة جميع نسخ المصنف، وكذا المواد المخصصة أو المستخدمة في ارتكاب التعدي على حقوق المؤلف. 

4-السجن مدة لا تزيد على ستة أشهر.

ثانياً : في حالة تكرار التعدي على المصنف نفسه أو غيره تجوز مضاعفة الحد الأعلى للعقوبة والغرامة والإغلاق.

ثالثاً : إذا رأت اللجنة أن المخالفة تستوجب عقوبة السجن أو غرامة مالية تزيد على مائة ألف ريال أو تستوجب شطب الترخيص، ترفع الموضوع للوزير لإحالته إلى ديون المظالم.

رابعاً : يجوز للجنة أن تقرر تعويضاً مالياً لصاحب حق المؤلف المعتدى عليه الذي يتقدم بالشكوى، ويكون التعويض متناسباً مع حجم الاعتداء والضرر الذي لحق به.

خامساً : يجوز للجنة أن تضمن قرارها عقوبة التشهير بحق المعتدي، ويكون النشر على نفقته وبالطريقة التي تراها اللجنة مناسبة.

سادساً : يجوز للجنة أن تضمن قرارها تعليق مشاركة المنشأة المعتدية في الأنشطة أو المناسبات أو المعارض إذا ضبطت المخالفة في مناسبة تجارية، على ألا تزيد مدة التعليق على عامين.

سابعاً : يجوز للجنة أن تصدر قراراً مؤقتاً بوقف طبع المصنف المعتدى عليه، أو إنتاجه، أو نشره، أو توزيعه، وإجراء الحجز التحفظي على النسخ والمواد والصور التي استخرجت منه، أو القيام بأي إجراء مؤقت تراه ضرورياً لحماية حق المؤلف، وذلك إلى حين الفصل النهائي في الشكوى أو التظلم.

وقد يستفاد من المصنف الفكري بطرق مادية دون الحصول على نفع مادي مباشر، كما إذا اعتدى شخص على مصنف فكري أو بعضه بغرض النشر مجاناً، أو تقديم المشورة مجانا بالاستشهاد بفقرات من المصنف دون عزو، أو التقدم ببحث لملتقيات علمية دون الحصول على مكافأة بحثية، وهذا كله لا يعفي من المساءلة، في نصت اللائحة التنفيذية للنظام في المادة الثانية عشر على الآتي:

أولاً : يعتبر في نطاق الاستخدام الشخصي كل استعمال للمصنف الفكري بقصد الاستخدام الشخصي الخاص دون سواه مثل استنساخ المصنف بغرض الاحتفاظ بالنسخة الأصلية والكتابة على النسخة المستنسخة أو لترجمة فقرات منه أو لكتابة تعليقات تعبر عن الرأي الشخصي وما تعدى هذه الأغراض اعتبر تجاوزاً لحدود الاستخدام الشخصي.

ثانياً : يعتبر تعديا كل استخدام للمصنف يتخطى مفهوم الاستخدام الشخصي في مثل الحالات التالية:

1-استخدام ونسخ المصنف أو الاستعانة به واستغلاله لأداء مهام وظيفية.

2-استخدام المصنف لأغراض تجارية أو استهداف الربح. 

3-استخدام المصنف بطرق لا يسمح بها المؤلف. 

4-تأجير المصنف أو استنساخه أو السماح لأخرين باستنساخه أو تحويره بحجة امتلاك نسخه أصلية. 

5-أي تصرفات تعيق المؤلف من ممارسة حقه الأدبي أو المالي.

وفي نهاية المقال، كم أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام واللجنة التي تنظر في المخالفات أن تقوم بنشر قراراتها لنحصل على الفوائد الآتية:

1)ردع من تسول له نفسه الاعتداء على حقوق الغير، 

2)بث الطمأنينة في نفوس المؤلفين من حزم الجهات المسؤولة أمام لصوص الأفكار.

3)إعادة صياغة اللائحة بإدخال الحقوق الفكرية للمنتجات الذهنية المنشورة في الشبكة العنكبوتية ويشمل ذلك التغريدات المبتكرة والكتابة في الفيسبوك والمدونات والمنتديات ومواقع البحوث الفكرية.

خاص_الفابيتا