دائماً ما يثار النقاش وترد الأسئلة بلا إجابة عن صناعة النقود وأين تصنع النقود والمواد التي تصنع منها وأماكن صناعتها حتى أصبحت خفية لا يعلمها إلا المتخصصون وقد أيد ذلك نتيجة استطلاع للرأي وشمل حوالي 700 شخص غالبهم سعوديون بأن 76% من المشاركين لا يعلمون أو معلوماتهم ضعيفة حول تلك الصناعة والمواد التي تصنع منها النقود الورقية ولا كيف وأين تصنع؟
شخصياً لا أتصور انه يجب على الجميع استيعاب تلك المعلومات وليس عيباً أن تكون ممن ينقصهم ذلك المستوى المعرفي ولكن الاطلاع عليها أمر مفيد ينعكس على طريقة تعاملنا مع النقود بشكل يومي وبالتأكيد يدفع نحو نشر ثقافة مفيدة في المجتمع تتعامل مع أدوات العصر بوعي ومستوى أمان أعلى.
يعتقد كثيرون بأن كل دولة تصنع نقودها بنفسها والحقيقة أن دول العالم تعتمد في صناعة النقود في ما يقارب 22 مصنعاً موزعة حول العالم منها مصنعان في الشرق الأوسط بكل من مصر وإيران والتي أنشئت في عصر النهضة الصناعية المصرية وعهد نهضة إيران في عهد الشاه. ولحماية أسرار العملات من التسرب ولمنع التزييف وضعت الدول ضوابط أمنية عالية جدا وعملية مصنعية واجراءات معقدة تضمن عدم ضياع التقديرات الهندسية والجوانب الفنية المتعلقة بخصائص وتوزيع الاحبار ومزيج عجينة الورقة النقدية الورقية مع خامات الخصائص الامنية الاضافية وارتباطاتها مع مقاسات الترتيب الهندسي للنقوش والرسوم والكتابات والصور وبالتالي فإن العملة الورقية التي يتم التعامل معها بشكل يومي هي نتاج عمل جبار وجهود مضنية توفر لها الضمانات اللازمة وتدعم قيمتها الاقتصادية. وتصنع النقود الورقية من نوعين من المواد:
النوع الاول: النقود المصنوعة من مزيج القطن
الطبيعي وخيوط الكتان
وهي مواد طبيعية صنعت منها العملة الورقية السعودية بكافة إصداراتها ومن بينها الاصدار السادس الذي صدر في بداية العام 2017 وكذلك الدولار واليورو والعملات الخليجية وتتميز العملة المصنوعة من هذه المواد بجمال الشكل وصعوبة التزييف المتقن وتعقيد الصناعة نظرا لعمق وتعدد العلامات الامنية ويعيبها تكلفتها العالية وسرعة التلف وتجميعها للجراثيم بسبب وجود مادة القطن التي تمتص الرطوبة بدرجة عالية.
ولتقدير تكلفة تلك الصناعة فإن تكلفة ورقة الدولار الواحدة من فئة واحد دولار تكلف خزينة الولايات المتحدة الامريكية 6 سنتات وفئة الـ10 دولار تكلف الدولة 11 سنتاً وفئة الـ 50 دولاراً تكلف 20 سنتاً وهي تكلفة عالية مقارنة بحجم الاصدارات وعدد مرات اعادة الطباعة ويزيد التكلفة ان الفئات المصنوعة من عجينة القطن والكتان تعتبر سريعة التلف عند التداول حيث لا تتحمل ظروف التداول الصعبة كما انها تعتبر مكاناً تجمع للجراثيم عند اللمس اثناء التداول وقد بينت دراسة أمريكية بان كمية الجراثيم المتجمعة في النقود الورقية ومقابض ابواب الاماكن العامة ومقابض عربات التسوق يفوق كمية الجراثيم الموجودة في المراحيض المنزلية -اجلكم الله- ولذلك تصنف الجهات الصحية والتنظيمية النقود الورقية كأحد ناقلات الأمراض ووضعت الجهات الرقابية السعودية والعالم قوانين صارمة تشجع على الابلاغ عن العاملين في المطاعم الذين يلمسون النقود ومن ثم يتعاملون مع الاغذية بدون قفازات صحية وينصح الجميع بغسل اليدين بالماء والصابون بعد لمس النقود او التعامل معها.
تصنع العلامات الامنية في العملة الورقية من خلال ثلاث مراحل اساسية
تطبق على العملة الورقية وهي "عجينة رطبة" مجموعة من العمليات الفنية الهندسية لتشكيل العلامات الامنية المائية مثل الصور الشفافة التي ترى من خلال الضوء او الشعيرات الدقيقة المنتشرة على بعض العملات او البروز و التحدب في مناطق معينة في خامة الورقة. وتخلق هذه المرحلة المميزات الاساسية لخامة الورقية النقدية.
بعد الانتهاء من تشكيل عجينة ورقة النقد بالمميزات الخاصة بها وتجفيفها تتم عملية وضع الأحبار التي توضع بألوان ومواد كيميائية خاصة بخطوط ورسومات وكتابات دقيقه ومجهرية وصور واشكال هندسية ونقوش متطابقة واحبار فوق بنفسجية وتحت الحمراء والتي تشكل اهم العلامات الامنية للورقة التي تمثل الدرجة الثانية من خصائص الورقة النقدية.
وضع مواد اضافية لزيادة مستوى الامان في الورقة النقدية كالخيط المعدني ومصلقات الهيلوغرام وهي تلك المناطق اللامعة اثناء تعريض الورقة النقدية للضوء وهي اجزاء يصعب التلاعب بها او تزييفها وهو ما يمثل المستوى الثالث من خصائص الورقة النقدية.
النوع الثاني: النقود
المصنوعة من مادة البوليمر
والبوليمر مواد مصنعة "صديقة للبيئة" تشكل منها النقود بطريقة ابسط واقل تعقيداً وبالتالي اقل تكلفة وتستخدم في الدول التي تفضل ان تبقى عملتها مدة اطول في التداول وبالتالي تقليل تكلفة صناعة النقود وتكون صديقة للبيئة. وتعتبر استراليا رائدة لهذه صناعة النقود من هذه المادة ومحتكرتها حيث تخدم مصانع النقود الاسترالية ما يزيد عن 20 دولة حول العالم وقد بدأت بريطانيا كسر هذا الاحتكار بعد ان قرر البنك المركزي عام 2016 التحول التدريجي لمادة البوليمر في صناعة النقود البريطانية حيث بدأت في اصدار ورقة من فئة 5 جنيهات استرلينيه (ما يعادل 25 ريالاً سعودياً).
وتستخدم المملكة العربية السعودية في عملتها الحديثة "الاصدار السادس" المسكوكة في عهد الملك سلمان اعلى معايير الامان والدقة وأجود المواد الطبيعية التي تصنع من مزيح من القطن والكتان والتي تسك في اكثر من مصنع من اهم مصانع النقود الورقية الاوروبية حتى ظهرت العملة الورقية الجديدة في غاية الجمال والروعة ومتينة بدرجة يصعب تزويرها بسبب مواصفاتها الفنية والجمالية الدقيقة بها.
العمر الافتراضي للورقة النقدية
بشكل عام يتم تقدير العمر الافتراضي للورقة النقدية من أي نوع كانت بحسب دورة التداول ومدة بقائها بيد الناس ولإطالة عمر الورقة النقدية ومعرفة قوتها تقوم مصانع الورق النقدي بعمل "اختبار الشد" للورقة النقدية وهو اهم معايير المتانة ويعني قياس عدد مرات الشد الذي تتحملها الورقة النقدية قبل ان تتمزق فتصنع الورقة النقدية بقوة شد تتراوح بين 5000 الى 7000 الى 10000 شدة ويجري الاختبار بعد الانتهاء من الصناعة حيث توضع الورقة في جهاز يقوم بحركة شد تعادل قوة الشد التي يقوم بها الانسان في الظروف الطبيعية ليتم التأكد من قدرة تحمل الورقة النقدية قبل التلف وبالتالي يتم تحديد دورة التداول والعمر الافتراضي للورقة النقدية قبل ان يتم اتلافها واعادة اصدارها ويلاحظ في بعض الدول أن العملة تكون بحالة سيئة وقابلة للتلف بسهولة وهو ما يعني ان عمر تلك الورقة النقدية الافتراضي قد انتهى ومن اللازم على البنك المركزي اتلافها واعادة اصدارها وهو ما لا تقوم به بعض الدول الفقيرة حتى لا يرفع ذلك من تكلفة اصدار العملة.
ولا شك ان تزييف العملة يعد واحداً من أهم مصاعب الاقتصادات الحديثة ولا يوجد مثال يوضح حجم هذا التحدي مثل القرار الذي قرره البنك المركزي الهندي عندما ألغى فئات 500 و1000 ربية هندية بشكل مفاجئ وأعطى المتداولين مهلة قصيرة لاستبدالها عن طريق البنوك وكان اهم اهداف ذلك القرار الجريء هو القضاء على العملة المزيفة المنتشرة في البلاد وبالتالي فإن معرفتنا للفئات النقدية التي نتعامل معها وفهمنا لأهم خصائصها يساعدنا في تمييز المزيفة منها وليس افضل درس لتحقيق ذلك الهدف من ان نقول انه اذا عرفنا ملمس وخصائص العملة الصحيحة فإنه سيسهل علينا استخدام حواسنا البسيطة لمعرفة الورقة المزيفة.
نقلا عن الرياض