تشير توقعات كل من منظمة «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية (الوكالة)، الى تباين في اتجاهات أسواق النفط لعام 2018. ويأتي هذا التباين في التوقعات قبيل الاجتماع الوزاري السنوي العادي لمجلس وزراء منظمة «أوبك» في فيينا في 30 من الشهر الجاري. ويبحث الوزراء خلال هذا الاجتماع بندين مهمين: الاستمرار المحتمل في خفض الانتاج 1.8 مليون برميل يومياً، وفي حال الموافقة والاستمرار بعد الموعد المحدد في نهاية آذار (مارس) للاتفاق الحالي، ما هي مدة الفترة الجديدة للتمديد.
تشير تصريحات عدد من الوزراء إلى وجود دعم كبير للاستمرار في تخفيض الانتاج. لكن لا يبدو ان هناك اجماعاً حتى الآن على فترة تمديد الخفض، مع العلم ان كلاً من السعودية وروسيا يؤيد الخفض طوال عام 2018، نظراً الى نجاحهما في قيادة مسيرة ارتفاع الأسعار لتصل الآن الى أعلى مستوياتها خلال العامين الماضيين. ولا شك في أن سياسة «أوبك» نجحت في شكل غير مسبوق، اذ انها أدت الى خفض معدلات المخزون النفطي التجاري لدول منظمة التعاون والتنمية، وكذلك في تصحيح معدلات أسعار النفط من أقل من 30 دولاراً للبرميل في منتصف عام 2014 إلى أكثر من 60 دولاراً حالياً، إضافة إلى إنشاء علاقة وطيدة مع دول منتجة خارج عضوية المنظمة، بخاصة روسيا، للتعاون سوية لإنقاذ الأسواق من تدهور سعري مستقبلي. ولافت أن التزام الدول بخفض الإنتاج قد فاق 100 في المئة لمدة عشرة أشهر منذ بدء التعهد بالخفض. وهذا، بدوره أمر غير مسبوق.
لقد نجحت سياسة المنظمة هذه بدعم موازنات الدول المنتجة. وذلك على حساب الاستمرار في خفض الإنتاج وتأخير الإنتاج من الحقول المطورة ومن ثم الخسائر المترتبة على ذلك. ويبقى سؤال رئيس: هل من الممكن مستقبلاً تفادي انهيار الأسعار الى المستويات الدنيا التي وصلت اليها خلال الفترة 2014-2016 مع استمرار ظاهرة زيادة انتاج النفط الصخري الأميركي والرمل القاري الكندي؟
تحاول المنظمة خفض مستوى المخزون التجاري النفطي الى معدله للسنوات الخمس الماضية (سنوات ما قبل انهيار الأسعار 2014- 2016)، وايصال مستوى المخزون في نهاية عام 2016 إلى نحو 300 مليون برميل أكثر من معدل السنوات الخمس. لكن مستوى المخزون انخفض خلال الفترة الحالية إلى نحو 100 مليون برميل. ويتوقع الانتهاء من ظاهرة الفائض في المخزون التجاري خلال عام 2018 مع الاستمرار في بخفض الإنتاج سنة أخرى.
أعربت «أوبك» عن تفاؤلها بزيادة الطلب العالمي على النفط خلال عام 2018. كما أنها تشكك في الأرقام المرتفعة الصادرة عن المراقبين حول إمكان زيادة الطاقة الانتاجية للدول خارج المنظمة خلال العام المقبل. وتتوقع «أوبك» ان تحافظ الأسعار على مستوياتها السعرية الحالية في حال استمرار العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط . ناهيك عن استمرار انخفاض مستوى المخزون التجاري.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يزداد الإنتاج النفطي من الدول خارج «أوبك» خلال العام المقبل نحو 1.4 مليون برميل يومياً، بخاصة من الولايات المتحدة الأميركية. ولا تقتصر توقعات الوكالة بآثار زيادة إمدادات النفط الصخري الأميركي خلال العام المقبل فقط، إذ تعتقد ان هذه الظاهرة هي ذات انعكاسات طويلة المدى على الأسواق النفطية. ويبحث تقرير الوكالة السنوي «آفاق الطاقة العالمية 2017» في العوامل التي قد تؤدي إلى المحافظة على سعر نفط «برنت» متراوحاً ما بين 50 و70 دولاراً للبرميل حتى عام 2040، والسبب الرئيس هو امكان زيادة امدادات النفط الصخري الأميركي خلال هذه الفترة.
تشير الوكالة الى ان العوامل الجيو استراتيجية أدت الى زيادة الأسعار أخيراً من نحو 45 دولاراً في نهاية حزيران (يونيو) إلى ما يزيد قليلاً عن 60 دولاراً حالياً، منها التطورات السياسية في السعودية وانخفاض معدلات التصدير من شمال العراق نحو 170 ألف برميل يومياً في تشرين الأول (أكتوبر)، إضافة إلى انخفاض الانتاج في كل من الجزائر ونيجيريا وفنزويلا. وتذكر الوكالة ان هذه العوامل، إضافة الى التكهنات بتمديد مدة اتفاق خفض الإنتاج، أدت الى زيادة الأسعار موقتاً.
لا ترى الوكالة تحسناً في الأسعار للعام المقبل، على رغم الاستمرار في سياسة خفض الإنتاج، نظراً الى الدور المهم الذي لعبته العوامل الجيوستراتيجية هذا العام في رفع الأسعار. ولا تتوقع إمكان زيادة الطلب العام المقبل، نظراً إلى اعتدال الطقس النسبي خلال الفصل الرابع من العام الحالي، وتوقع استمرار هذا الاعتدال الطقسي خلال شتاء 2018. إذ سيؤدي ذلك الى تقليص استهلاك وقود التدفئة في نصف الكرة الشمالي.
وخفضت «أوبك» أيضاً توقعاتها لزيادة الطلب خلال الخريف الحالي. ولكنها تعزو هذه الظاهرة إلى تأثير أعاصير «هارفي» و «إرما» على الطلب النفطي في الولايات المتحدة.
وأخيراً تشير توقعات «أوبك» إلى أن الطلب على النفط سيزداد إلى نحو 98.9 مليون برميل يومياً خلال عام 2018، مقارنة بنحو 97.7 في عام 2017 و96.1 في عام 2016.
نقلا عن الحياة