طاهر وطهور ونجس

28/07/2017 5
عبدالله الجعيثن

كما هو معروف قسّم العلماء الماء إلى ثلاثة أقسام: طاهر: وهو الطاهر في نفسه ولكنه لا يُطَهِّر غيره، وطهور: وهو الطاهر في نفسه ويطهر غيره، ونجس: وهو الملوث الذي لا يجوز شربه فضلاً عن التطهر به.

قلت: وما أشبه البشر بذلك! هنالك الصالح في نفسه ولكنه لا يسعى لإصلاح غيره، ورغم أنه يكره الفساد، إلّا أنه يسكت عن المفسدين، ولا يعمل على منعهم وفضحهم وتطهير الإدارات منهم..

وهنالك المصلح وهو الصالح في نفسه والمصلح لغيره، يسعى بكل ما أوتي من حكمة، وأحياناً من قوة، إلى إصلاح غيره، إصلاح الجهة التي يعمل فيها خاصة -فضلاً عن إصلاح أسرته- بدقة المراقبة، وقوة المحاسبة، والذكاء في اكتشاف ألاعيب الفاسدين، وأساليب النجسين، فهو لا يخدع ولا ينخدع، كما قال الفاروق -رضي الله عنه-: (لستُ بخَبءٍ ولكنّ الخبءَ لايخدعني) فهذا بذكائه وسعيه في الإصلاح بقوة وحكمة وإخلاص يُطَهّر الإدارة أو الشركة التي يرأسُها او يعمل فيها ويكون، باستقامته وقوته ودقة ملاحظته ومحاسبته، قدوة للعاملين معه، فهو الذي يُسهم في بناء المجتمعات وإنجاح الإدارات والشركات وتقدم المجتمع ونشر الصلاح ومكافحة الفساد، وهذا يجني بإصلاحه من خيري الدنيا والآخرة أضعاف مايجنيه الفاسد بفساده معنوياً ومادياً، في الدنيا والآخرة.

النجس: وهو الذي همّه الفساد والحصول على أكبر مصالح شخصية على حساب الصالح العام، سواء أكان في القطاع العام أم الخاص، وقد يكون هذا النجس ذكيّاً ولكنه سخّر ذكاءه الإداري والاجتماعي في تحقيق مآربه الشخصية، والحصول على الثراء غير المشروع، وهو يسعى لإفساد غيره مِمّن حوله أو تحت إدارته لكي يحققوا مآربه، ويُعينوه على سرقاته ورشاويه وفساده، ويستخدم بعضهم -بعد أن يُسيطر عليهم- استخدام (البيْز) في الوقاية من الأواني شديدة الحرارة، فإن جاء شك وتحقيق (راح فيها البيز) الذي لم ينل من الرشوة إلّا الفُتَات..

يلتقي المصلح والمفسد غالباً في الذكاء والمهارة الإدارية، ولكن الأول وظّف مؤهلاته للإصلاح فنجح وفاز وأفاد واستفاد، والثاني وظف مؤهلاته في الفساد والإفساد فخاب وخسر وزُيِّنَ له سوءُ عمله فرآهُ حَسَناً.. وفوق أنه سوف يُكتشف لامحالة، (فريحته فايحة) وهو أيضاً يعيش حياته في خوف، ويحرمه الله عزّ وجل من راحة البال وهي السعادة، ومن الاستمتاع الحقيقي بالمال الحرام، وفي آخر عمره تُصيبه الحسرات ويُغرقه الصراع.


نقلا عن الرياض