تلعب الشركات العائلية دورًا كبيرًا في الاقتصاد المحلي والعالمي، وهي تمارس كل النشاطات التي يحتاج لها الزبون والمستهلك على مدار اليوم. وتاريخيًا، قام الأجداد والآباء بـتأسيس الشركات العائلية تحت ظروف صعبة وكافحوا حتي صمدت هذه الشركات وأينعت وأتت أكلها واستفاد منها أصحاب الشركات ومجتمعاتهم وهي ما زالت تعطي وتتطلع للمستقبل. ولكننا بالمقابل، في نفس الوقت، نجد أعددًا كبيرًا من هذه الشركات تتعثر ولا تواصل المسير بعد فترة خاصة من الجيل الثاني أو الثالث. ونتيجة لهذا الوضع المتأرجح المتباين، هناك من يرى ضرورة دعم استمرار الشركات العائلية لما لها من آثار مباشرة في تحريك الاقتصاد وإتاحة الفرص للخلق والإبداع الفردي مع توفير فرص العمل لأعداد كبيرة من الشباب الطامحين. وبالمقابل، هناك من يرى أنه من الأنسب بل الأصوب عدم استمرار الشركات العائلية وينادي بضرورة دفع هذه الشركات للتحول لشركات مساهمة عامة، سواء مقفلة أو مفتوحة، لكافة الجمهور عبر البورصات وأسواق المال.
قبل فترة شاركت في مؤتمر عن الشركات العائلية في دبي، وتطرق المتحدثون إلى مشاكل الشركات العائلية وما يهدد استمرار بقائها، وهناك من اقترح مساعدتها للتحول لشركات مساهمة عامة. فهل تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة هو العلاج أو الحل الأنجع؟ في إجابتي لهذا قلت، أننا نحتاج للشركات العائلية بقدر احتياجنا لشركات المساهمة العامة. وتتميز الشركات العائلية في أنها توفر العديد من المتطلبات والخدمات التي لا تستطيع شركات المساهمة القيام بها، بينما تقوم الشركات المساهمة بدعم أسواق المال لقيامها بتحفيز الأموال النائمة خاصة عندما تنجح هذه الشركات وتحقق الأرباح مما يفتح الشهية لشراء أسهمها كفرص جيدة للاستثمار.
بعض الشركات العائلية، في الواقع، مستمرة من نجاح لنجاحات وسر البقاء أن الشركات قامت علي مبادئ الشفافية الكاملة والإفصاح التام والحوكمة. والشفافية والإفصاح والإدارة الرشيدة (الحوكمة) بين أفراد الشركة العائلية أمر ضروري تستند عليه الشركة طيلة مسيرتها ويشكل صمام الأمان لاستمرار الشركات العائلية بينما انعدامه يقود إلى موت الشركة ونهايتها.
هناك مهام ودور لأعضاء الأسرة في تنفيذ السياسات والبرامج المطلوبة، ومنها، كيفية نقل السلطات وتوارثها بين الأجيال من جيل الى جيل حتي يشعر كل فرد بأنه جزء مهم من الشركة بل انه من أسباب نجاحها وضمان مستقبلها. هذا، مع الشفافية التامة المرتبطة بوضع وتنفيذ مبادئ الحوكمة السليمة لإدارة الشركة، والعلاقة بين الإدارة وأفراد العائلة وكيف يتم انتقال هذه الأدوار الى الأجيال المتعاقبة. وبموجب مبادئ حوكمة الشركات، هناك أهمية خاصة لفصل المسائل المالية التي تخص الشركة عن الأشخاص المالكين. ومن التجارب العالمية الهامة أيضا، اتضح ضرورة عدم انكفاء أصحاب الشركة علي أنفسهم بل يجب النظر حواليهم للاستعانة بالكفاءات المطلوبة من خارج العائلة في الإدارة التنفيذية مع منحهم الاستقلال الكامل في تنفيذ أدوارهم في إطار التوجهات العامة لسياسة العائلة وتراثها.
وتنادي مبادئ حوكمة الشركات، بضرورة قيام الشركات العائلية بإعداد “دستور الشركة العائلية” وفي هذا الدستور تتفق العائلة على كل التفاصيل الخاصة بإدارة الشركة وخططها المستقبلية والعلاقة العملية بين أفراد العائلة والشركة. ومن يعمل ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومن هذا الدستور يشعر كل فرد بأن له دورًا خاصًا ومكملًا لبقية الأدوار المطلوبة لنجاح وبقاء الشركة التي تحمل اسم العائلة، وهذا مهم للكثيرين.
بعض الشركات العائلية، لها نكهة خاصة ومذاق مرتبط بعرق وخلية وبصمة بل الصفة الوراثية (دي ان ايه) لمن سعي وبدأ وأسس هذه الشركات قبل سنوات عديدة. وأعتقد أن استمرار نجاح مثل هذه الشركات مرتبط بهذه النكهة الخاصة الناتجة من البصمة الوراثية وبالعرق الذي بذلوه. وهذا الوضع موجود في كل مكان حيث تناضل هذه الشركات العائلية للبقاء والاستمرار كشركات عائلية تفتخر بذاتيتها وكينونتها وتميزها وتفردها وخصوصيتها عن بقية الشركات العامة المفتوحة للعامة. وفي كل مكان هناك عوائل حافظت على هذا التوجه.
نحتاج الى العمل الجاد الدؤوب لإدراج شركات المساهمة العامة في البورصات وأسواق المال وفق المتطلبات القانونية، مع تهيئة المناخ لزيادة العمل المؤسسي لهذه الشركات لضخ الحياة في البورصات لرفد شرايين الاقتصاد الوطني بالدماء القوية التي تمنحه القوة اللازمة للنهوض لتحقيق التنمية المطلوبة. وهذا عمل جد كبير ويحتاج لمجهود واستراتيجية متكاملة يبدأ من تقوية عود شركات المساهمة. ولتحقيق الطفرة الكبرى، علينا في نفس الوقت، العمل على إصلاح ودعم أوضاع الشركات العائلية ودفعها لانتهاج الشفافية والإفصاح والحوكمة المطلوبة لإدارة الشركة ولضمان استمرارها بنجاح وفق المؤسسية السليمة. وهذا يتطلب انتهاج وسائل لإدراج الشركات العائلية في البورصات، وفق أسس وضوابط خاصة بها، وبهذا نكون ساهمنا في فتح مجالات جديدة للشركات العائلية مما يؤدي لتقويتها وتمكينها لتساعد في تحريك ودعم الاقتصاد الوطني وبما يعود بالفائدة لهذه الشركات ولكل المجتمع.
ومثل هذه الخطوات، بالطبع لا تمنع أي شركة عائلية للتحول لشركة مساهمة عامة إذا رأت أن مصلحتها في ذلك التحول. ونقول، من أجل نمو الحركة التجارية والاستثمارية وفي أي مكان علينا الأخذ بيد كل الشركات سواء العائلية أو المساهمة العامة لحوجتنا الماسة لكليهما في نفس الوقت، والصغير يكمل الكبير والكبير يتمم الصغير وكل منهم يسند الآخر.. وهكذا تكتمل الدائرة وتدور عجلة الاقتصاد بما ينفع جميع الفئات الخاصة والعامة.
نقلا عن عُمان