تكبد الاقتصاد العالمي تكاليف كبيرة جراء الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008م وامتدت إلى 2010م. وقدرت تكلفة الأزمة المالية بحوالي 22 تريليون دولار، وربما تكون 28 تريليون دولار، حيث كان نصيب المؤسسات غير الربحية حوالي 12.8 تريليون دولار. ولا يزال الاقتصاد العالمي يواجه احتمال حدوث أزمة مالية قادمة، وذلك بسبب تخبط النظام الاقتصادي والمالي العالمي ما ينذر بأزمة عالمية قد يكون مصدرها الصين التي من المحتمل أن تواجه صعوبة في تسديد ديونها السيادية ما يؤدي الى موجة شديدة من الانعكاسات السلبية على الأسواق المالية في جميع انحاء العالم.
تواجه الصين مشكلة في الديون السيادية منذ سبع سنوات، لكنها تحاول التحكم فيها بقدر المستطاع، لكن مهما حاولت الصين التحكم في ديونها السيادية فإن المخاطرة لا تزال عالية جداً، خاصة أن وكالة موديز (Moody's) للتصنيف حذرت من تفاقم الدين السيادي الصيني. المؤشر على تفاقم المشكلة الصينية هو نسبة العرض النقدي الواسع النطاق إلى اجمالي الناتج المحلي الصيني والتي وصلت حوالي 208% في عام 2016م. وتعد هذه النسبة الأعلى في العالم، وهي أعلى من المستوى العالمي المقبول بحوالي 70-80%.
وبمقارنة الاقراض من خلال القطاعات الاقتصادية الصينية فإنه لكل من القطاع الحكومي والقطاع الاستهلاكي غير عالٍ من حيث المديونية. الاقتراض للشركات غير المالية في الصين وصلت نسبته من اجمالي الناتج الصيني حوالي 170%، وهذه النسبة تعد من بين النسب الأعلى بين دول العالم.
ويعزى إجمالي النسبة العالية للديون الصينية إلى الثلاثة الاسباب التالية: سيطرة النظام البنكي الصيني على جميع التعاملات في صورة ايداعات بنكية وقروض، وهذا سبب النسبة العالية للعرض النقدي الواسع النطاق حوالي 208% مقارنة بالولايات المتحدة التي كانت 80% في نفس عام 2016م، والسبب الثاني النسبة العالية لحسابات الإدخار في الصين وتقدر بحوالي 50% من اجمالي الناتج المحلي الصيني، وهي في الغالب شهادات وديعة في البنوك الصينية. أما السبب الأخير فيكمن في الآلية المتسارعة للنظام والسياسات المالية في الصين، حيث يزيد العرض النقدي في الأوقات الطيبة بهدف تحفيز الحركة الاقتصادية ويزيد العرض النقدي في الأوقات الصعبة لاستقرار الاقتصاد والسوق الصينية.
وحتى هذه اللحظة لم تمر الصين بأزمة مالية قوية بالرغم من المخاطر العديدة التي يواجهها الاقتصاد الصيني في عدم الكفاءة في سوقها المالية. وهذا يعود لسببين جوهريين أولهما النمو الاقتصادي السريع الذي لم تواجهه ازمة كبيرة وتوافر الضمانات الحكومية للبنوك والمؤسسات الإنتاجية والخدمية المملوكة للحكومة الصينية. وعلى سبيل المثال لم يفلس اي بنك صيني خلال الأزمة الآسيوية في 1997م لأن الغطاء الحكومي الصيني ساهم في دعمها من خلال الضمان، لكن هذا الضمان محدود وضعيف في السنوات الاخيرة.
ولا يمكن أن يستمر منهج الضمان هذا في الصين إلى الأبد، فالنمو الاقتصادي الصيني في تباطؤ منذ عام 2010 الى تاريخ كتابة هذا المقال. وقد تسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين في مشاكل صعبة للشركات مثل مشكلة نقص تدفق السيولة المالية ومشكلة قوائم الموازنة. وتواجه بعض الشركات تعثراً شديدا قد لا تستطيع الحكومة انقاذها من خلال الضمان.
ولقد وصل الاقتصاد الصيني الى ما وصفه البنك الدولي للتسويات بأنها درجة المخاطرة العالية بعدما وصلت الديون الى اجمالي الناتج المحلي الصيني إلى نسبة عالية جداً، ناهيك عن تراجع الإنتاجية وضيق مرونة السياسة المالية الصينية. وتشير هذه المعطيات الى نمو نسبة المخاطر المالية في الصين التي قد لا تستطيع إنقاذ مؤسساتها المالية الحكومية وبنوك القطاع الخاص من التعثر والافلاس.
وتشير المعلومات المالية عن الاقتصاد الصيني الى نسبة المخاطر العالية المتقلبة والمدورة من قطاع الى قطاع في الصين، حيث يشهدها سوق الاسهم وسوق المؤسسات المالية وسوق العقارات وسوق التحويلات وتبديل العملات. وبناء على هذه المعلومات والمخاوف فقد قامت الحكومة الصينية في عام 2016م بعمل السياسيات الاحترازية للتعامل مع الأزمة المحتملة.
الخلاصة على المستثمرين السعوديين أخذ الحيطة والحذر من الاستثمار في الاسواق العالمية المرتبطة بالاقتصاد الصيني، بل واخذ الحذر من ازمة متوقعة في الولايات المتحدة وفي تقديري انها اشد من تلك التي حدثت في 2008م وامتدت الى 2010م.
نقلا عن اليوم