تدل المؤشرات على أن نسب استهلاك الغاز الطبيعي ستزداد بسرعة أكثر من استهلاك النفط الخام خلال العقود القليلة المقبلة. فمن ناحية، أصبح قطاع المواصلات السوق الرئيسة للمنتجات النفطية، بينما أصبح توليد الكهرباء السوق الرئيسة للغاز. لكن كما كان الأمر بالنسبة للنفط، الذي خسر أسواقاً مهمة حين برزت منافسة من الطاقات الأخرى، يتوقع أمر مشابه للغاز في المستقبل المنظور على رغم ازدياد استهلاكه حالياً إذ تنافس الغاز الطاقتان النووية والشمسية وطاقة الرياح والفحم على رغم تقلص استعمال الأخير في توليد الكهرباء، خصوصاً في أوروبا والصين.
وطرأت تغيرات مهمة خلال العقود الماضية على صناعة الغاز المسال إذ انخفضت التكاليف، خصوصاً النقل، من خلال بناء ناقلات عملاقة. وتقلصت أيضاً تكاليف الإنتاج، من خلال تشييد مصانع التسييل الضخمة. وطرأت تغيرات في طرق البيع من خلال المرونة في عقود البيع. فبدلاً من العقود الطويلة الأجل (20-30 سنة)، برزت العقود الآنية للتزويد لسنتين أو ثلاث. وربما العامل الأهم في زيادة استهلاك الغاز، هو الاهتمام العالمي بتحسين البيئة، وتحويل غالبية محطات الكهرباء إلى استعمال الغاز، بدلاً من الفحم أو الفيول أويل. وازدادت أخيراً أعداد الدول المصدرة، فبالإضافة إلى دول في الخليج (قطر والإمارات وعمان)، وإندونيسيا، والجزائر، هناك الآن أيضاً نيجيريا والنرويج ومصر واليمن وأخيراً الولايات المتحدة. وأدى توسيع قناة بنما مع بدء صادرات الغاز المسال الأميركي إلى تحسين تنافسية الغاز الأميركي في الأسواق الآسيوية بفضل المجال الذي فتحه توسيع القناة في تقصير المسافة بين الموانئ الأميركية في خليج المكسيك وأسواق الغاز المسال في دول شرق وشمال آسيا، وفق نشرة «ميدل إيست إيكونوميك سرفي» (ميس).
وتشير «ميس» إلى أن ارتفاع إنتاج الغاز الصخري جعل الولايات المتحدة تصدر الغاز المسال في شباط (فبراير) 2016 من ميناء سابين باس في ولاية لويزيانا الجنوبية. وبدأ التصدير بمقدار 9 ملايين طن سنوياً. لكن من المتوقع أن ترتفع الصادرات إلى 14 مليون طن سنوياً (1.8 بليون قدم مكعبة يومياً) خلال 2017 و40 مليون طن سنوياً خلال 2018 و2019 نتيجة زيادة كل من الطاقتين الإنتاجية والتصديرية خلال هذه الفترة القصيرة. وسترتفع طاقة تسييل الغاز الأميركية من الصفر تقريباً في أوائل 2016 (باستثناء محطة صغيرة للتسييل في ولاية ألاسكا) إلى 80.6 بليون قدم مكعبة في 2019.
وتزامن ارتفاع هذه الطاقة الإنتاجية والتسييلية مع توسيع قناة بنما التي أتاحت استقبال ناقلات غاز مسال من الحجم الكبير في تموز (يوليو) 2016. ويذكر أن توسيع القناة سيسمح لإبحار الغاز المسال الأميركي إلى أكبر دول مستوردة للغاز المسال في العالم، وسيمنح التوسيع ميزة تنافسية وهي تقصير فترة الشحن. والدول الأربعة الكبرى عالمياً المستوردة للغاز هي اليابان وكوريا الجنوبية والصين وتايوان ويبلغ مجمل ما تستورده نحو ثلثي الغاز العالمي المستورد. وتقدر إدارة معلومات الطاقة أن كلفة شحن الغاز المسال عبر القناة الموسعة سيخفض الكلفة نحو 9 - 12 في المئة عن كلفة العبور عبر قناة السويس أو الإبحار من طريق رأس الرجاء الصالح. وتفيد إدارة معلومات الطاقة الأميركية بأن توسيع قناة بنما يتيح شحن الغاز المسال الأميركي من خليج المكسيك إلى اليابان في 20 يوماً، مقارنة بنحو 34 يوماً من طريق رأس الرجاء الصالح و31 يوماً من طريق قناة السويس.
وتواجه صادرات الدول الخليجية للغاز المسال تحديات. فهناك أولاً الإنتاج المرتفع من أستراليا، القريبة نسبياً من أسواق شرق وشمال آسيا. وهناك تنافس على المنزلة الأولى عالمياً في صادرات الغاز المسال حتى بداية العقد المقبل، ما بين قطر وأستراليا والولايات المتحدة. كما يتوقع أن تصل إلى الأسواق كميات ضخمة من صادرات الغاز المسال من شرق أفريقيا، خلال منتصف العقد المقبل. وتمتاز هذه الإمدادات الأخيرة بموقعها المميز، فلديها طرق بحرية ممتدة إلى كل من الأسواق الأوروبية والآسيوية.
وترتبط أسعار الغاز إلى آسيا بمعادلات مرتبطة بمعدل سعر النفط الخام الذي تستورده اليابان، إذ ارتفع سعر الغاز إلى 18.3 دولار لمليون وحدة بريطانية في آذار (مارس) 2014 قبيل انهيار الأسعار لينخفض إلى 4.1 دولار في أيار (مايو) 2016، ويعود ليرتفع في شباط (فبراير) 2017 إلى 8.5 دولار. وستشهد الأسواق من ناحية منافسة ما بين الدول المصدرة للغاز، فقطر والإمارات وعمان تمتاز بتشييد موانئ تصدير الغاز المسال والبنى التحتية لها منذ سنوات، ما يعني عدم تحمل أسعار البناء العالية الحالية، ناهيك عن حجم الإمدادات المتوافرة لديها للتصدير، خصوصاً في قطر. وأستراليا هي أقرب المناطق للأسواق الآسيوية، وطاقتها التصديرية عالية. لكن تكاليف تشييد الموانئ والبنى التحتية عالية جداً، خصوصاً أجور الأيدي العاملة. وبلغت تكاليف تشييد مصانع التسييل والموانئ نحو 200 بليون دولار. وسيبدأ التصدير في 2018 بطاقة 8.2 بليون قدم مكعبة يومياً. والولايات المتحدة تبقى بعيدة عن الأسواق الآسيوية، على رغم تخفيض مدة الشحن ورسوم العبور عبر قناة بنما الموسعة.
تعتمد أهمية الغاز المسال كذلك على حيوية الأسواق الآسيوية المستوردة، خصوصاً الآن الصين ومستقبلاً الهند. كما ستعتمد أهمية الغاز المسال على أسعار النفط، خصوصاً إذا استمرت على معدلات متدنية، ناهيك عن الزيادات الكبيرة في أحجام الإمدادات المستقبلية. لكن على رغم كل هذه العوامل المتعددة التي تؤثر في استهلاك الغاز، يتوقع أن يستمر ازدياد استهلاكه. فالدول الآسيوية المعنية تفتقد حتى الآن مصادر هيدروكربونية كافية، خصوصاً الغاز، وسكانها في ازدياد سنوي ضخم، كما أن اقتصاداتها تنمو بسرعة عالية نسبياً، من ثم سيزيد استهلاكها للكهرباء. ويبقى الغاز المسال الطريقة المثلى لهذه الدول في استيراد الطاقة، وإن كان بعضها، كما في الصين، أخذ باستيراد الغاز عبر الأنابيب الطويلة المدى من روسيا أو الدول المحيطة ببحر قزوين.
نقلا عن الحياة