رؤية المملكة 2030.. هل تتواصل بشفافية مع المجتمع؟

22/02/2017 9
د. محمد سالم الصبان

لا حديث للمجتمع هذه الأيام إلا عن رؤية المملكة 2030، وما سيكون عليه اقتصادنا في الفترة القادمة. طابع التشاؤم يرجع في معظمه إلى الغموض الذي يكتنف بعض تفاصيل الرؤية، وترك تفسير هذه التفاصيل للاجتهادات المختلفة. ولو صاحب ظهور هذه التفاصيل تفاعل بين متخذي القرار في مملكتنا الحبيبة والمجتمع لتم إلغاء جزء كبير من اللغط الدائر والذي لا يلام فيه المواطن بدرجة رئيسية.

ويمكن تقسيم وجهة نظر المجتمع السعودي تجاه الرؤية إلى ثلاث فئات:

1- من لم يقرأ الرؤية على الإطلاق ويسمع من الآخرين بصورة مشوهة، ومن ثم يروج سلبا لما سمعه.

2- من قرأها ولم يفهم كثيرا من برامجها، ويجتهد ليحكم عليها من وجهة نظره الخاصة التي لا تعكس حقيقتها.

3- من قرأها وفهم معظم تفاصيلها، ويحاول جاهدا توضيح ما فهمه منها، حتى يصطدم بتيار معارضيها الذين يركزون على أمور مست بدخولهم، ومست قوتهم الشرائية وأربكتهم ماليا وهذه الفئة الأخيرة هي الأضعف في النقاش العام ولا يتقبل المجتمع الا الفئتين الأولى والثانية.

والنقاش العام في المجتمع تتزعمه مجموعتان الأولى:

مجموعة رجال الأعمال المتضررين من بعض الإجراءات الحكومية المتبعة والركود الحاصل في الاقتصاد المحلي نتيجة انخفاض الإنفاق الحكومي وإجراءات التقشف المتبعة، ومزاحمة الحكومة القطاع الخاص على السيولة المتاحة لدى البنوك.

الثانية: مجموعة الأفراد المتضررين من الرسوم ورفع الدعم التدريجي لقطاع الطاقة من كهرباء ووقود السيارات وغاز طبيعي وهو اللقيم الأساسي لمعظم البتروكيماويات في المملكة، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى إرهاق ميزانية المواطن سواء من التأثير المباشر لرفع أسعار هذه الخدمات، أو التأثير غير المباشر له والمتمثل في ارتفاع تدريجي لأسعار بعض السلع والخدمات.

وهاتان المجموعتان تتزعمان النقاشات والاجتماعات في جو يميل إلى الصخب. وعندما تعجز إحداهما عن تقديم أسلوب مقنع لسبب أو لآخر، نجد أن اللجوء لأخطاء الماضي وإسقاطاتها على الرؤية بحجة أنه «لن يتغير شيء على الإطلاق»، هو الوسيلة في الإقناع. ولكن هل هذا ما نريده من المجتمع، وما هو الاقتصاد الذي تُجرى له جراحة هيكلية، أليس هو اقتصاد الوطن؟ ولو حدث وإن مات خلال الجراحة، فمن المتضرر الرئيسي من ذلك؟ هذا لا يعني أن لا تتم مثل هذه النقاشات وبصورة واسعة، فالرؤية 2030 غير مسبوقة ويتم تطبيقها على مجتمعنا الذي تعود -في معظمه- على مستوى معيشة راض عنه.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالات ونحن أحوج ما يكون إلى أن نكون داعمين لتطبيق عادل للرؤية هو: ما الذي سيتغير لو تم تواصل المسؤولين – ولا أعني هنا الوزراء فقط - مع فئات المجتمع لتوضيح بعض تفاصيل الرؤية؟

إن تواصل الأمير محمد بن سلمان مع بعض نخب المجتمع كان له تأثير إيجابي، لم يكن محاباة، ولكن لطريقة وأسلوب الإقناع الذي اتبع. وكنت من ضمن من شارك في هذه اللقاءات، وكان هنالك إجماع ودعم من قبل الجميع، وانعكس ذلك من خلال مشاركاتنا الاجتماعية هنا وهناك، حتى اتهمنا بالعديد من التهم، ومنها حصولنا على مكافأة مالية نظير ذلك، ونحن الذين عشنا حياتنا كلها ولله الحمد بعيدين عن مثل هذه التهم. فجيوبنا تطلق صفارات إنذار شديدة إذا ما دخلها ريال واحد دون وجه حق. بل حتى وفي ظل التقشف، فإن اجتماعاتنا مع الأمير محمد بن سلمان لم يقدم فيها لنا العشاء بالرغم من السهر الطويل الذي استغرقه وجودنا معه.

وكان مما ذكرناه للأمير محمد أن هنالك قصورا واضحا في التواصل مع المجتمع، وأنه لا يكفي التواصل فقط مع بعض النخب، ولا بد من أن يزحف الوزراء والمسؤولون عن الرؤية إلى مختلف المنتديات من مجلس الشورى إلى قاعات الجامعات ومقاعد الغرف التجارية والصوالين الاجتماعية التي انتشرت مؤخرا بشكل كبير، لتوضيح تفاصيل الرؤية ومستجداتها، وأن يتقبلوا كل سؤال ويجيبوا عليه مهما كان صعبا.

وسعدت جدا ببدء مثل هذا النشاط من قبل زميلي وأخي الحبيب الدكتور ماجد القصبي- وزير التجارة والاستثمار- الذي كان لحضوره في غرفة جدة أثر إيجابي كبير في توضيح بعض أبعاد الرؤية. وكان حضور وزير الإسكان (الأحد) الماضي هو استمرار لهذا الاتجاه. وفوجئت بمكالمة هاتفية من الأخ ماجد يوضح فيها أن لقاءات التواصل هذه ستستمر وتأتي استجابة من الأمير محمد بن سلمان لطلبنا واقتناع الجميع بضرورة أن يكون ذلك عنوانا للمرحلة القادمة للقضاء على الشائعات من جهة وتفويت الفرصة على الإعلام الخارجي لاختراق جبهتنا الداخلية الموحدة – بإذن الله -.

ومن ضمن النقاش أن يبتعد المسؤولون عن الإلقاء من طرف واحد، بل التفاعل في النقاش، فالفائدة مشتركة: يوضح المسؤول بعض إشكاليات الرؤية ويستمع ليستفيد من آراء المجتمع حول مختلف نقاط الرؤية، ونمضي جميعا في مركب واحد نحو بر الأمان وهو ما نستحقه لهذا الوطن الغالي.

نقلا عن عكاظ