بوصلة النمو الإقتصادي أين يجب أن تتجه

08/01/2017 2
م. سامي الحصين

يعيش العالم مرحلة ولادة "الثورة الصناعية الرابعة" وتمتاز هذه الثورة بتغيير آليات العمل لتعتمد بشكل أكثر على التقنية، معطية مجالا أوسع للروبوتات والسيارات ذاتية القيادة والطائرات دون طيار. مما سيؤثر على طبيعة العمل والمهارات المطلوبة، مؤدية لإختفاء وظائف تقليدية عرفت لقرون مضت، لتحل مكانها وظائف جديدة لا تدرب عليها معاهدنا التقنية ولا جامعاتنا التطبيقية.

ستكون لهذه الثورة إيجابياتها الكثيرة في مساواة الفرص بين الدول في المنافسة لإعتمادها على العنصر البشري بقدرته على العمل والإبتكار، ولكن لها أيضا تحدياتها التي ستطال العديد من شاغلي سوق العمل الحالي والقريب.

من إيجابيات “الثورة الصناعية الرابعة” أنها ستعين الدول على تحقيق نسب عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، من خلال تخفيض كلفة الإنتاج، والذي من شأنه توفير التعليم لشريحة أكبر وبمستوى جودة أعلى لجميع المواطنين، وتأمين خدمات نقل وسائل اتصال ذات كفاءة عالية،  وتوفير رعاية صحية أفضل للإنسان تقوم على الوقاية قبل العلاج.

كل ذلك معزز بمعلومات دقيقة عن الإحتياج ومستوى الخدمة تمكن من قياس الآداء وتطوير الخدمات لتحقيق سد الإحتياج على المنظور القريب، والرفاهية على المنظور البعيد.

الا أنها ستفرض في الوقت نفسه تحديات غير مسبوقة على المجتمعات البشرية. فالثورة الصناعية الرابعة ليست مجرد أتمتة ولا توظيف للتقنية فحسب، بل هي إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، مقرونة بهيكلة اجتماعية.

مما سيؤدي لمعاناة المجتمعات البشرية، نتيجة تغير طبيعة الأعمال والمهارات المطلوبة والذي لا يمكن توفره دون الإبتكار في التدريب كما ونوعا لإستيعاب الزيادة في أعداد الباحثين عن عمل المتوقعة، حيث تؤكد تقديرات خبراء الاقتصاد أن رقمنة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل لدى أصحاب “الوظائف البسيطة” التي لا تحتاج إلى خبرات علمية وتقنية عالية.

بينت دراسة أعدتها شركة KPMC حول مساهمة الشركات التقنية الناشئة في الإقتصاد، أن هذه الشركات وفرت مليون ومئتا ألف وظيفة .

وأن الشركات الصغيرة والناشئة توفر أكثرمن 30% من الوظائف في سوق العمل. وحسب تقرير للبنك الدولي: "يُنظر إلى الشركات الناشئة باعتبارها الحل الجديد لخلق الوظائف في الاقتصاد الوليد لما يسمى" بالثورة الصناعية الرابعة".

وهذه الشركات يمكنها بالفعل المساعدة في جلب وظائف المستقبل- تلك الوظائف الجديدة التي تولدها الصناعات الحديثة والتكنولوجيات." ففي المستقبل سيعمل الناس على منصات الكترونية يبنيها المبادرون والقطاع الخاص. وتحليل بياناتها الضخمة سيحدد المهارات المطلوبة ليتمكن القطاع التدريبي من توفيرها ويتفرغ القطاع الحومي للتشريع والتمكين.

إن هذا التغير المتوقع في سوق العمل يستحث تساؤلات تحتاج إلى فهم وإجابة لتحديد مفهوم العمل وعلاقاته، ومن هذه التساؤلات على سبيل المثال:

·عندما يسجل الشاب سائقا في تطبيق أوبر أو كريم، فلدى من يعمل؟

·عندما ينضم فني اتصالات إلى تطبيق صلح، أو  مهنيا إلى تطبيق بيتك؟ فمن الذي يدفع أجره، أهو مالك التطبيق أم المستفيد من الخدمة؟

·ما هي حقوق العاملين في عصر الوظائف الرقمية

·ما هو دور كل من الفرد، والقطاع الخاص والجهات الحكومية في سوق العمل الجديد؟

ما ذكر من أمثلة وتساؤلات ليس إلا البداية في بلورة مفاهيم وقيم اقتصاد المعرفة وسوق العمل المستقبلي.

ومع كل هذا التطور التقني تبقى التقنية وسيلة ولكن رفاهية الإنسان هي الهدف، والمعلومات التي تتوفر على الإنترنت هي القوة التي نبني بها المستقبل، والمعرفة والابتكار وريادة الأعمال هي مستقبل سوق العمل.

منعطفات إيجابية

أحيانا تكون هذه الظروف منعطفات إيجابية في تاريخ الدول لأنها تبدأ في البحث عن الموارد البديلة، وأفضلها وأدومها الأستثمارفي الثروة البشرية.

أحيانا تسعى الدول لبناء إقتصاد بديل وتوفير موارد أخرى وتنوعها. فكيف نعرف أن بوصلتنا صحيحة، وأن إنتقالنا من الموارد الأرضية إلى الموارد البشرية كان في الإتجاه الصحيح. يتضح ذلك عندما نوظف هذه الموارد البشرية في تطوير الاقتصاد الصحيح الذي يعتمد على عقولهم وأفكارهم أكثر من إعتماده على موارد طبيعية، حين يكون ناتج إستثمارنا في الموارد البشرية هو أن تصبح صادراتنا أعلى من وارداتنا.

أين يجب أن تتجه البوصلة

ما يميز الاقتصاد الرقمي، هو الإعتماد على البشر. فالثروة الشبابية التي نملكها، وربما يشتكي البعض منها أحيانا، هي في الحقيقة نفطنا القادم.

وآتساب التي تبلغ قيمتها الحالية 36 مليار دولار، أسسها شاب كان يتلقى المعونة من الشئون الاجتماعية لفقره، وتقدم للعمل في شركة فيسبوك ورفضت تعيينه. فأسس وآتساب لتشتريها فيسبوك منه ب 19 مليار دولار.

هناك أمثلة عربية تم الاستحواذ عليها من شركات عالمية مثل:

·طلبات الذي أسس في الكويت وأستحوذت عليه شركة روكيت إنترنت مقابل 170 مليون دولار

·كملنا الذي أسس في السعودية وأستحوذت عليه شركة بيك قيمز التركية بقيمة 40 مليون.

·مكتوب الذي أسس في الأردن وأستحوذت عليه شركة ياهو مقابل 100 مليون دولار وغيرها.

البترول وغيره من الموارد الطبيعية ينضب ويفنى ولكن الأوطان لا تفنى، والمواطنون لا ينضبون.

ولا بد من الاستثمار في شبابنا والإقتصاد الرقمي وإن طال السفر.

خاص_الفابيتا