ارتفاع مشتريات الصين للنفط بين نمو الاستهلاك والخزن الإستراتيجي

04/10/2016 0
د. سليمان الخطاف

توقعت شركة اكسون موبيل في تقريرها السنوي الاخيرعن مستقبل الطاقة بالعالم ان يرتفع الطلب على الطاقة في الصين والهند بين 2015 و2040م ليصل الى نصف نمو الطلب العالمى. يرتفع طلب الصين على الطاقة بشكل لا مثيل له بالعالم وهذا ما جعلها اكبر مستهلك للطاقة بالعالم وتعدت امريكا في عام 2009م.

وفي عام 2005م كان استهلاك امريكا للطاقة اعلي من الصين بحوالي 30% وفي عام 2015م اصبح استهلاك الصين للطاقة اعلى من امريكا بحوالي 30%. ولا شك ان هذا النهم الصيني على الطاقة يتطلب منها ان تعتمد كل الاساليب وتستغل المصادر المتاحة لتأمين الطاقة لمواطنيها (1.3 مليار نسمة عدد سكان الصين).

فعلى سبيل المثال يشكل الفحم حاليا حوالي 60% من مصادر توليد الطاقة الكهربائية ولكن مع ارتفاع الاصوات في العالم بالتنديد باخطار حرق الفحم على البيئة واتجاه الصين للموافقة والالتزام باعلان باريس ومما قد يترتب عليها دفع ضرائب باهظة بسبب انبعاثات الكربون من حرق الفحم، تعمل الصين بجهد لاستبدال الفحم تدريجيا بمصادر بديلة. وفي سبيل ذلك سوف ترفع اعتمادها على الطاقة النووية وتتخطى امريكا وتصبح أكبر منتج للطاقة النووية السلمية بالعالم.

واما الطاقة المتجددة فلا يوجد للصين منافس بنمو الاعتماد عليها ولقد اذهلت قفزاتها بانتاج الكهرباء من الشمس والرياح العالم. وبذلك يستطيع المراقب ان يرى مدى عمق وقدرة الصين على مواجهة التحديات والتخطيط لمستقبل آمن من الحاجة للطاقة.

تتحدث التقارير العالمية عن ارتفاع عدد السيارات بالصين وعن التوقعات لمزيد من الارتفاع بحلول 2040م. وهذا ما يجعل الصين أهم بلد مستورد للنفط وثاني دولة مستهلكة للنفط بعد أمريكا وتستهلك الصين حاليا حوالي 11.5 مليون برميل باليوم. وفي عام 2014م عندما كانت اسعار النفط بالقمة واستوردت الصين معدل 6.3 مليون برميل باليوم بسعر 100 دولار للبرميل وهذا يعني ان فاتورة الصين لشراء النفط في ذلك العام كانت حوالي 230 مليار دولار.

ولقد انخفضت اسعار النفط بحوالي 60% في اخر سنتين ولاشك ان هذا الانخفاض له اثر واضح على الصين التي شهدت ارتفاعا كبيرا على الطلب مما ادى إلى ارتفاع هائل في كميات النفط المستوردة بعدما كانت تستورد 2 مليون برميل فقط قبل عشرين سنة.

في 2016م ارتفع الطلب الصيني على النفط بشكل واضح وزادت معه الحاجة لاستيراد المزيد من النفط من دول اوبك وروسيا. ولو افترضنا ان معدل اسعار النفط المستوردة للصين تقدر بحوالي 35 دولارا للبرميل فهذا يعني ان فاتورة الصين لشراء النفط هذا العام ستبلغ 96 مليار دولار. والمفارقة هنا ان الصين اصبحت تستورد نفطا اكثر ولكن فاتورتها انخفضت عن معدلات 2014م باكثر من النصف. وهذا الوضع بالنسبة للصين يعتبر استثنائياً وقد لا يكرر ولهذا ستعمل كل ما بوسعها للاستفادة من الظروف الحالية التي اهمها انخفاض اسعار النفط العالمية.

تشتري الصين نفطها من عدة دول اهمها روسيا وانغولا والمملكة والعراق وايران والامارات ولاشك ان قرب روسيا منها ووجود خط انابيب لنقل النفط من روسيا إلى الصين يعد ميزة تنافسية لروسيا. واما انغولا فلقد استثمرت الصين فيها كثيراً من المال وتدين انغولا للصين بـ25 مليار دولار تم استثمارها في تطوير صناعة النفط. وتستورد الصين منها يوميا حوالي 1.2 مليون برميل وكما تستورد ايضا حوالي مليون برميل من المملكة ومليون برميل من روسيا وحوالي 1.5 مليون برميل من العراق وايران معا.

ولقد اعلنت الصين في عام 2009م عن نيتها بناء خزن استراتيجي للنفط يكفيها لمدة 100 يوم من الاستيراد. والجدير بالذكر ان الصين سابع اكبر منتج للنفط بالعالم الا ان انتاجها للنفط قد انخفض عندما انهارت اسعار النفط ووصلت إلى القاع في بداية هذا العام. اي ان الصين خفضت انتاجها ورفعت حجم الاستيراد من الخارج بشكل كبير وهذا يشير إلى ان حجم خزنها الاستراتيجي يفترض ان يصل إلى 750 مليون برميل. ولقد وصلت كميات الخزن من النفط بالصين في منتصف العام الماضي إلى حوالي 200 مليون برميل، وتستمر الصين بزيادة الكميات ولاسيما وان الاسعار الحالية تعتبر فرصة قد لا تتكرر.

ولذلك فان الصين تقوم بتجهيز اماكن وخزانات جديدة لملئها بالنفط الرخيص والحقيقة ان هذا من أسباب دعم اسعار النفط عند 40 دولارا. لان ارتفاع انتاج ايران ورغبتها في التصدير بأي سعر كان سبباً كافياً لخفض الاسعار إلى اقل من 40 دولارا.

في بداية 2016م كان مجموع ما تم خزنه 233 مليون برميل وهو يكفي لحوالي شهر ويتوقع ان تضيف في عام 2016م حوالي 150 مليون برميل. واكبر مشكلة تواجه الصين عدم وجود الخزانات الجاهزة واغلبها قيد التشييد فوق الأرض وتحت الأرض. ويقال ان احد اهم سبب لزيادة استيراد الصين للنفط هو سماح الحكومة الصينية للمصافي الصغيرة المنتشرة بالصين باستيراد النفط من الخارج.

لا يعلم الكثير عن المخزون الاستراتيجي الصيني ولكن ارتفاع معدل الخزن منذ نهاية 2014م مع هبوط اسعار النفط يفسر سبب زيادة استيراد الصين للنفط في اخر سنتين. لم يكن النمو بالاستيراد من اجل زيادة الاستهلاك بل كان نتيجة خطة استراتيجية مدروسة بعناية وهي رفع كميات خزن النفط باسعار منخفضة لتستخدم عندما ترتفع الاسعار.

ويتوقع الخبراء ان الصين تستورد ما بين 0.6-1.2 مليون برميل باليوم فائضا عن حاجتها الاستهلاكية. وهذا سيشكل عائقا امام اوبك اذا ارادت خفض انتاجها لان الصين المستورد الرئيس لنفط اوبك لن تحتاج للكثير من النفط المستورد لو ارتفعت الاسعار بشكل كبير. وباستطاعة الصين التوقف عن استيراد كميات كبيرة من النفط لعدة اسابيع مدعومة بخزنها الرخيص وبالتالي تبقى اسعار النفط بدون دعم.

بدأ الاهتمام العالمي بالخزن الصيني يزداد بعد ملاحظة نمو كميات النفط المستوردة بشكل لا يبرر ارتفاع الاستهلاك المحلي. وبعد ملاحظة الاقمار الصناعية زيادة اعداد الخزانات الكبيرة ذات الاسقف المتحركة وهي مخصصة لخزن النفط.

تملك امريكا اكبر مخزون استراتيجي احتياطي للنفط ويقدر بحوالي 700 مليون برميل ويكفي استهلاكها لمدة 35 يوما ويعادل الكميات المستوردة من الخارج لحوالي 90 يوما. بدأ العمل في هذا الخزن الاستراتيجي بأمريكا بعد ازمة الوقود في الفترة 1973م. ولكن يوجد لهذا الاحتياطي بأمريكا صفحة على شبكة الانترنت ويعلن عن الكميات الموجودة بكل شفافية.

ولكن وفي نفس الوقت لا يعرف الكثير عن الخزن النفطي الاستراتيجي للصين وهو بمثابة لغز محير للغرب ولكنه فرصة لدول اوبك وروسيا لضخ المزيد من النفط بدون الاكتراث كثيرا لهذا اللغز بل يتنافسون بتقديم العروض الافضل للصين من اجل تسويق نفطهم.

ولا يزال احد اهم الاسئلة في عالم النفط الحالي كم هي كمية الخزن الاستراتيجي للنفط في الصين؟ وما الكميات التي تتطلع الصين إلى خزنها؟

نقلا عن اليوم