التغيرات المؤثرة في أسواق النفط العالمية

27/09/2016 0
د. سليمان الخطاف

يمكن تقسيم اهم الاسواق العالمية الى ثلاث مناطق هي: امريكا واوروبا وشرق آسيا (خاصة الهند والصين) وقد تغيرت اسواق النفط في هذه المناطق في السنوات العشرين الماضية تغيرا جذريا بسبب عدة عوامل اقتصادية وتقنية ادت الى خفض بعض الدول لاستهلاكها وبالتالي استيرادها للنفط والى نمو الاستهلاك بدول اخرى.

وتبقى كفاءة استهلاك الطاقة والاعتماد على وسائل النقل الجماعي داخل وخارج المدن، بالاضافة الى تبني ودعم الطاقة البديلة والتلوث البيئي وفرض الضرائب الباهظة على المشتقات النفطية اهم الاسباب التي ادت الى خفض بعض الدول استهلاكها.

ولاشك في ان تغير نمط استهلاك النفط في كل من: اليابان والمانيا وفرنسا اهم الامثلة على ذلك فلقد خفضت اليابان استهلاكها في عشرين عاما من 5.8 مليون برميل باليوم الى حوالي 3 ملايين برميل باليوم، وكذلك المانيا التي خفضت اعتمادها على النفط من 2.9 مليون برميل باليوم في عام 1996م الى 1.8 مليون برميل في اليوم العام الحالي.

أما ايطاليا وفرنسا فقد خفضتا الاستهلاك معا بحوالي 1.5 مليون برميل باليوم. وبما ان معظم اعتماد هذه الدول الاربع على استيراد النفط، فلقد انخفض استيرادها للنفط خلال عشرين عاما بحوالي 5.5 مليون برميل باليوم، وهذه الكمية تزيد على الصادرات النفطية الحالية للعراق وايران، وقد ارتفع الانتاج العالمي للنفط في الفترة من 1996- 2016م بحوالي 25 مليون برميل باليوم او بحوالي 1.2 مليون برميل في اليوم لكل عام.

اعتمدت الدول الصناعية مثل: اليابان والمانيا وايطاليا عدة سياسات صارمة للنفط في بلدانها ادت في النهاية الى خفض الاستهلاك. فعلى سبيل المثال فرض ضرائب باهظة على وقود الديزل والبنزين جعلت من استهلاكهما عبئاَ اقتصادياً على شعوبها.

واصبحت اسعار البنزين والديزل عالية وغير مجدية اقتصاديا للمواطن العادي الذي عزف عن استخدام الناقلات والسيارات الخاصة، لكن في المقابل وفرت هذه الدول قطارات سريعة ومريحة داخل المدن وخارجها تعمل بالكهرباء المنتجة من المحطات النووية او من محطات الفحم والغاز الطبيعى.

وأصبحت شبكة القطارات اليابانية مضربا للمثل في دقتها وسرعتها ومراعاتها لعوامل السلامة. ولم يستخدم النفط في توليد الطاقة، بل تم الاعتماد على مزيج متنوع من المصادر المختلفة منها النووية والمتجددة والفحم والغاز الطبيعى.

وبذلك استطاعت هذه الدول خفض استهلاكها للنفط بشكل كبير. يباع حاليا لتر البنزين في بورصة المشتقات النفطية في روتردام وأمريكا بحوالي 1.5 ريال، لكنه يباع للمستهلك في المانيا وفرنسا وايطاليا بحوالي 5-6 ريالات وفي امريكا بحوالي 2.3 ريال، وهذا يعني ان الدول الاوروبية اعلنت حربا على النفط وعلى استهلاكه في بلدانها بحجة الانبعاثات الكربونية.

واما الولايات المتحدة فهي اكبر مستهلك للنفط وكانت اكبر مستورد له منذ عقود فعلى سبيل المثال استوردت امريكا في عام 1996م حوالي 10 ملايين برميل باليوم وانخفض هذا الاستيراد في عام 2016م الى حوالي 7.4 مليون برميل بسبب النهضة التي تعيشها امريكا وكندا بانتاج الزيوت غير التقليدية (صخري - رملي) وايضا تطور التقنيات التي تسمح بانتاج النفط من اعماق المحيطات.

على كل حال الاثر في امريكا الشمالية غير مباشر فقد رفعت امريكا كميات النفط المستوردة من كندا الى حوالي 3 ملايين برميل باليوم بالاضافة الى زيادة انتاجها من النفوط غير التقليدية فقل اعتمادها على نفط اوبك بشكل واضح وصل الى قمته في عام 2015م عندما انخفض استيرادها لنفط اوبك من 5.4 مليون برميل باليوم في 2008م الى 2.7 مليون برميل فقط.

لكن ظهور الصين والهند كعملاقين متعطشين للطاقة والنفط على وجه الخصوص قد خفف من تبعات خفض اوروبا وامريكا من استيرادهما لنفط اوبك. وعلى سبيل المثال كانت الصين والهند تستوردان معا في عام 1996م حوالي 2 مليون برميل باليوم بينما كانت اليابان تستورد وحدها 5.8 مليون برميل باليوم.

ومع النهضة الصناعية والقفزات التي حققتها الصين والتي اصبحت بسببها ثاني اكبر اقتصاد بالعالم واكبر منتج ومستهلك للطاقة، ارتفع استيراد الصين وحدها للنفط هذا العام الى حوالي 7.4 مليون برميل باليوم والهند الى حوالي 4.2 مليون برميل في اليوم، اي ان استيراد الصين والهند ارتفع هذا العام الى 11.6 مليون برميل في اليوم، وهذا ما دعم اسعار النفط والا لكانت انهارت اكثر بفعل طفرة الانتاج من دول اوبك وطفرة انتاج الزيوت غير التقليدية.

لذلك اصبحت الهند والصين محط انظار مصدري النفط من اوبك وخارجها ولقد رفعت الهند استيرادها للنفط الايراني بشكل ملفت للنظر عندما وصل الى 600 الف برميل باليوم، وبذلك اصبحت العراق وايران من اكبر مصدري النفط للهند. كانت المملكة اكبر مصدر للنفط الى الهند بحوالي 780 الف برميل في اليوم الا ان العراق اصبحت اكبر مصدر للنفط للهند عندما وصلت كميات النفط العراقي المستوردة من الهند الى حوالي 960 الف برميل باليوم.

الجدير بالذكر ان صادرات العراق النفطية للهند ارتفعت بحوالي 70% في شهر ابريل الماضي، وانخفضت صادرات المملكة بحوالي 14%، وبدأت صادرات ايران بالارتفاع بعد رفع الحظر، وبذلك تكون ايران ثالث اكبر مصدر للنفط الى الهند.

وتعتبر الصين محط أنظار مصدري النفط بحكم انها المستورد الاكبر للنفط وصاحبة اعلى نمو بالطلب على النفط بالعالم. تستهلك الصين يوميا حوالي 11.4 مليون برميل تنتج بعضها الا انها تستورد يوميا حوالي 7.4 مليون برميل باليوم. وتقدمت روسيا بالاشهر الاخيرة لتصبح اكبر مصدر للنفط الى الصين لاسيما مع وجود انابيب ممتدة بين الجارين، وهذا يؤدي الى خفض كلفة النقل. تصدر روسيا للصين حوالي 1.2 مليون برميل باليوم ولقد قفزت هذه الكميات بشكل كبيرمنذ العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا.

ويبدو ان الصين قد استثمرت بأنغولا التي تصدر حوالي 1.75 مليون برميل باليوم 60% من هذه الصادرات تذهب الى الصين، وتصدر المملكة للصين حوالي مليون برميل وعمان حوالي 0.85 مليون برميل وكل من العراق وايران حوالي 0.6 مليون برميل.

تتسابق الدول المصدرة للنفط من اوبك وخارجها للاستحواذ على حصة اكبر من الاسواق الهندية والصينية نظراً لنمو الطلب فيهما، بينما الاسواق الاخرى مثل: اليابان وغرب اوروبا لا تشهد نموا، بل انخفاضا متواصلاً في الكميات المستوردة.

لاشك في ان التنافس على اسواق محدودة سيقود الى خفض اسعار النفط لان دول العرض اكثر من دول الطلب.

الاكيد ان تغيير الاتجاه في مثل هذه الاجواء يبقى احد الحلول لمواجهة التسابق بين دول اوبك وروسيا للوصول الى الهند والصين التي سترفع طلبها للنفط بعد اربعة اعوام الى 14 مليون برميل في اليوم منها 2.7 مليون برميل في اليوم يستخدم لقيما لانتاج البتروكيماويات.

إن تصنيع وتحويل النفط الى منتجات نهائية داخل أو خارج المملكة قد يكون الحل الأمثل للتخلص من التنافس في تصدير وبيع النفط الخام.

نقلا عن اليوم