بعد موجة من التراجعات القياسية لأسعار النفط امتدت على أكثر من عام، حيث هبطت من نحو 120 دولارًا للبرميل الى ما دون الـ30 دولار، يبدو أننا أمام مرحلة هدوءٍ حذرٍ نتيجة قرار كبار المنتجين التقليديين تجميد الانتاج عند مستوياته الراهنة.
وثمة اجماع على أن وفرة المعروض من مصادر النفط الصخري، بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، والمترافق مع النمو البطيء في كبرى الاقتصادات العالمية، وفي مقدمهم الصين، شكلا أبرز أسباب حالة "الاضطراب" التي استجدت على اسعار النفط.
وفي المقابل، ثمة تساؤلات حول مدى قدرة المنتجين على تحمل الاسعار دون الـ40 دولارًا للبرميل، وهو السعر الذي يبدو الاقرب لمصلحة منتجي النفط بشقيه التقليدي والصخري.
في حديثه أمام المنتدى العالمي للطاقة بالرياض مؤخرًا، ذكر الرئيس العام للأبحاث في "جهاز أبوظبي للاستثمار" د.كريستوف روول، أن استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي منذ العالم 2013 وحتى اليوم، ساهم بلا شك في تراجع الطلب في أسواق النفط. تزامنًا، جاءت الارتفاعات المتلاحقة في مصادر النفط الجديدة وغير التقليدية، بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، لتضغط على الاسعار وتضع كبار المنتجين أمام تحدي الحفاظ على مستويات الانتاج من جهة، واستعادة توازن الاسعار من جهة أخرى.
وأشار د.روول الى أن قرار الدول المصدّرة للنفط (أوبك) تجميد الانتاج، والذي انضمّت اليه روسيا، وان ساهم في رفع أسعار النفط من القاع الذي وصلت اليه، الا انه لن يكون الحل لجهة استعادة عائدات النفط بريقها السابق.
كما أن هذا القرار لن يساهم في حفاظ أوبك على حصتها السوقية، لأن ارتفاع الأسعار، وهو ما حققه قرار تجميد الانتاج، يمثل انعاشًا لمنتجي النفط الصخري تحديدًا الذين لا تزال كلفتهم أعلى من منتجي النفط التقليدي.
40 دولارًا لبرميل النفط، نقطة تعادل
وفي سياقٍ متصل، ذكر تقرير لشركة "نفط الهلال"، أن مستوى المنافسة بين منتجي النفط التقليدي والصخري مرجّح للارتفاع، حيث أن تكلفة انتاج الأخير شهدت انخفاضًا ملحوظًا بفضل التقنيات الحديثة؛ اذ هبطت من 70 دولارًا للبرميل لتصل الى 40 دولار، وهو السعر الاقرب لمتوسط أسعار النفط الذي يعتمد عليه المنتجين التقليديين، وفي مقدمهم دول المنطقة الخليجية.
وتظهر البيانات الاخيرة حول مستويات الانتاج في الولايات المتحدة الامريكية وعدد آخر من الدول، التحول الكبير في موقع النفط الصخري من قطاعٍ هامشي في انتاج الطاقة الى منافسٍ حقيقي. وهو ما تؤكد عليه البيانات الأخير للحصة السوقية لكبار المنتجين العالميين، حيث ارتفعت حصة النفط الاميركي من 6.1 في المئة عام 2011 الى 12.3 في المئة حاليًا، مباشرة خلف السعودية بـ12.9 وروسيا بـ12.7 في المئة عملاقي الانتاج للتفط الأحفوري.
وتجدر الاشارة، الى أنه وللمرة الاولى منذ 43 عامًا، سجل النفط الاميركي مستويات انتاج غير مسبوقة، ومحققًا المرتبة الاولى عالميًا بمعدل 13.7 مليون برميل يوميًا .
ترتيب كبار المنتجين للنفط (شباط 2016 ادارة معلومات الطاقة الامريكية EIA) :
العرض والطلب الثابت الوحيد
وفي الوقت الذي لا يمكن التكهن بالسعر العادل للنفط حاليًا، الا أن ثمة ما هو ثابت وأكيد أن عاملي العرض والطلب يبقيان عنصري التحكم بالأسعار المستقبلية.
وعلى هذا الأساس، فأن سعر دون الـ40 دولارًا للبرميل، لن يكون في مصلحة المنتجين الأحفورين، ولا سيما الدول الفقيرة من اوبك وخارجها، وكذلك سيكون قاسيًا على منتجي النفط الصخري ما لم تظهر تقنيات جديدة تخفض كلفة انتاجهم.
ويؤكد الرئيس العام للأبحاث في جهاز ابوظبي للاستثمار، بأن المرحلة المقبلة لانتاج النفط ستشهد مزيدًا من النقاش حول السعر العادل لكلا طرفي الانتاج، الاحفوري والصخري، داعياً دول الخليج في الوقت عينه الى مراجعة سياستها النقدية، وتحديد مدى الفائدة من استمرار ربط اسعار النفط بالدولار وتأثير ذلك على عائداتها النفطية.
وفي انتظار ما ستؤول اليه نتائج اجتماعات منتجي الطاقة الأحفورية، وتحديدًا لجهة الاستمرار في تحديد سقف الانتاج، يبقى القول بأن الانجاز الأبرز الذي حققه "النفط الصخري" يكمن في نجاحه بفرض معادلة جديدة سواء لجهة الاحتياطات النفطية المؤكدة، أو لجهة الأسعار التي لن تعود رهينة في قبضة المصادر الأحفورية بعد اليوم .