تميز العقدان الماضيان من الزمن، أثناء تولي علي النعيمي وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية، بتطوير سياسة نفطية واضحة المعالم للمملكة، يُعتبَر من أهم معالمها تطوير «أرامكو السعودية» لتصبح أهم شركات النفط في العالم وأكبرها. ولم تكن هذه المهمة غريبة على النعيمي، فهو ابن هذه المؤسسة التي تدرّج فيها خلال تجربته المهنية السابقة لتوليه الوزارة، كما لن تكون غريبة على خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، الذي تدرّج مهنياً في المؤسسة نفسها. ونمت «أرامكو السعودية» لتتجاوز مهمتها إنتاج النفط فقط، وتصبح مؤسسة فاعلة في سد أي نقص مفاجئ قد يحصل في الميزان العالمي للعرض والطلب.
وشهد عهد النعيمي سياسة تستهدف تطوير قطاع الغاز في البلاد، تعزيزاً لاستهلاكه داخلياً إلى جانب تصديره، وذلك لتعويض الزيادة السنوية القياسية في الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية، التي كانت ستشكل في حال استمرارها، خطورة فعلية على الإمكانية التصديرية الضخمة للنفط الخام لدى السعودية في المستقبل. وهكذا، ازدادت عمليات الاستكشاف والإنتاج الخاصة بالغاز الحر، وتمّ تدريجاً إحلال الغاز الطبيعي محل المنتجات النفطية في عمليات التوليد في عدد كبير من محطات الكهرباء في البلاد. وهدف هذا المخطط إلى الحفاظ على معدل الصادرات النفطية، خصوصاً في فصول الصيف، حين تبلغ معدلات استهلاك الكهرباء درجاتها القصوى بسبب زيادة استعمال المكيفات، وكذلك الحفاظ على البيئة. ولهاتين السياستين أولوية في السعودية.
هذا على الصعيد المحلي. أما على الصعيد الدولي، فيشهد العديد من وزراء النفط في بلدان «أوبك» على أن النعيمي أدى دوراً ريادياً وحكيماً في اجتماعات مجلس وزراء المنظمة، خصوصاً خلال المشاورات المغلقة، للوصول إلى حلول مشتركة تأخذ في الاعتبار المصالح الاقتصادية للبلدان الأعضاء، على رغم الخلافات السياسية الحادة في بعض الأحيان بين بعض هذه البلدان. وأدى هذا الدور إلى تجنب كثير من الخلافات والأزمات في «أوبك»، وساعد في دعم مصداقية المنظمة، خصوصاً حين حاولت وسائل إعلام عالمية أن تشكك في هذه المصداقية وقدرة المنظمة على تنفيذ قراراتها.
وبذلت وزارة النفط في عهد النعيمي جهداً كبيراً لتحقيق فكرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز القاضية بتأسيس «منتدى الطاقة العالمي» في الرياض، بهدف بذل جهد جديد للاتصال والتعاون بين الدول المستهلكة والمنتجة. وبهذا أوجد المنتدى فرصة فريدة أوسع من نطاق وكالة الطاقة الدولية التي تضم الدول الصناعية المستهلكة للطاقة و «أوبك» التي تضم الدول المنتجة الرئيسة، فالمنتدى لا يجمع فقط أعضاء هاتين المؤسستين، بل كذلك دولاً منتجة ومستهلكة مهمة عالمياً لا تشارك في المؤسستين، مثل روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وأسس المنتدى قاعدة بيانات دقيقة وحديثة للإنتاج والاستهلاك في الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 100 عضو، وساعدت القاعدة المعروفة باسم «جودي» في تعزيز الشفافية في مجال الطاقة حول العالم. ومعلوماتها متوافرة للجميع على الصفحة الإلكترونية للمنتدى.
وشارك النعيمي في صورة فاعلة ونشطة على الصعيد العالمي في شرح السياسة النفطية السعودية ومواقف «أوبك». وبلغ متوسط المحاضرات التي ألقاها واحدة على الأقل شهرياً. وفي محاضراته، كان يعتمد على بحوث ودراسات يعدها جهاز البحوث في وزارة البترول والثروة المعدنية أو في «أرامكو السعودية». ولخصت محاضرته التي ألقاها في «أسبوع سيرا 2016» في هيوستن آخر شباط (فبراير) أمام المئات من رجال صناعة النفط العالمية، وجهة نظر بلاده حول أسواق النفط العالمية، وشرح السياسة النفطية السعودية في ظل المتغيرات التي تعصف بالصناعة النفطية العالمية، والنتائج المترتبة على التغير المناخي.
وقال النعيمي أن أسعار النفط تراوحت خلال السبعين سنة الماضية بين سبعة دولارات و147 دولاراً للبرميل، مع تذبذبات كثيرة ما بين هذين السعرين. وذكر ان هذه الفروق، إن دلت على شيء، فهو أن سلعة النفط، حالها حال كل السلع الأخرى، تتميز بدورات اقتصادية.
وعندما كانت الأسعار عند 100 دولار للبرميل، كانت الأسعار تبدو معقولة، على حد قول النعيمي، لكن من وجهة نظر تاريخية، كانت عالية جداً، فالأسعار العالية أطلقت على الصعيد العالمي العديد من الاستثمارات التي لم تكن تُعتبَر مجدية اقتصادية سابقاً. ثم أجري الاستثمار في القطب الشمالي، وفي حقول الرمل القاري في كندا، وفي حقول «أورينوكو» للنفط الثقيل جداً في فنزويلا. وأدت هذه الاستثمارات إلى تطوير حقول النفط الصخري في بعض الولايات الأميركية. وأدى الإنتاج الجديد من هذه المناطق كلها إلى زيادة هائلة في الإمدادات العالمية للنفط التقليدي وغير التقليدي، قبل أن تبدأ الأسعار بالانخفاض.
ولفت النعيمي إلى الدعوات الموجهة إلى «أوبك» لخفض الإنتاج أثناء الاجتماع الوزاري للمنظمة في فيينا خـــلال تـــشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وذلك لوقف تدهور الأسعار، «لكن سوق النفط أكبر بكثير من أوبك. وحاولنا بجهد كبير أن نشارك الجميع في تحمل المسؤولية، من داخل أوبك وخارجها، للحصول على إجماع. لكن لم يكن ثمة استعداد للمشاركة في تحمل المسؤولية. لذلك قررنا أن نعتمد على الأسواق في تحقيق توازن للعرض والطلب العالميين».
وأكد النعيمي أن السعودية «لم تحاول أن تعلن الحرب على النفط الصخري أو الإنتاج من أي دولة أو شركة، فسياستنا مبنية على الأسس ذاتها التي سيتبعها أي منكم في هذه القاعة، في التعامل والتفاعل مع أسواق صعبة»، مؤكداً «أننا نعترف بالخطورة الناجمة عن التغير المناخي، لذلك، قمنا نحن وغيرنا بالاستثمار في الوقت والمال والتجارب العلمية من أجل الحصول على نتائج علمية للتحديات التي تواجهنا بسببه».
نقلا عن الحياة