هل تنخفض الإيجارات بانخفاض أسعار النفط؟

15/02/2015 2
بشير يوسف الكحلوت

رغم أن أسعار النفط قد عادت إلى الارتفاع  مع نهاية الأسبوع الماضي بحيث وصل سعر نفط برنت إلى 61,5 دولار للبرميل عند إقفال الجمعة، إلا أن تقارير صدرت في الولايات المتحدة عادت إلى التحدث ثانية عن أن الأسعار ستعاود الانخفاض بعد انتهاء فصل الشتاء الراهن، وأنها قد تصل إلى ما بين 20-30 دولاراً للبرميل حسب نوع الخام. وسواء انخفضت الأسعار على النحو المشار إليه أو بقيت دون مستوى 55 دولار لبرميل نفط الأوبك، فإن مثل هذه المستويات المنخفضة تقودنا إلى التساؤل عن تأثيرها المتوقع على معدلات إيجار الوحدات السكنية، بعد أن ارتفعت في العام الماضي ووصلت مع نهاية شهر نوفمبر إلى مستويات قياسية لا تتناسب مع مستويات الدخل لأغلب العاملين الباحثين عن خدمات التأجير.

الجدير بالذكر أن هذا الارتفاع الكبير قد خلق أنماطا جديدة من التأجير تُعرف بالسكن الجماعي، أي تقسيم الفيلا أو الشقة إلى عدة شقق أو غرف صغيرة تسكنها عائلات مختلفة، ناهيك عن أنه ومنذ عام 2001 تغير حال الشقق في معظم البنايات السكنية الجديدة، وأصبحت تتألف من أشباه غرف يَصعب التحرك فيها، ويجعلها بالكاد غرفاً للنوم فقط.

ومن المؤكد أن انخفاض أسعار النفط في الشهور السبعة الماضية قد بدأ يؤثر على الإنفاق العام والخاص، وأن برامج ضبط الإنفاق قد بدأت تظهر آثارها على أكثر من صعيد؛ فعدد السكان القاطنين في قطر قد سجل تراجعا للشهر الثاني على التوالي. وتشير بيانات الإحصاء بهذا الخصوص إلى أن العدد قد انخفض في 31 يناير إلى 2,225 مليون نسمة  مقارنة بـ 2,235 مليون نسمة في 31 ديسمبر، و 2,270 مليون في 30 نوفمبر. وهناك من بدأ يلاحظ أن حدة الزحام في بعض المجمعات الاستهلاكية، وفي المرور -خارج أوقات الذروة- قد تراجعت عن ذي قبل.

ومن المتوقع أن يستمر تأثير برامج ضبط الإنفاق في خفض أعداد السكان، خاصة وأن معظم من يتم الاستغناء عن خدماتهم لا يستطيعون العيش في قطر في ظل المستويات المرتفعة جداً لإيجارات الوحدات السكنية، وارتفاع تكلفة الخدمات كالتعليم والصحة. ومن شأن هذا التراجع في عدد السكان-على عكس الفترة السابقة التي شهدت نمواً بمعدلات وصلت إلى 11% سنوياً حتى نوفمبر الماضي- أقول من شأن هذا التراجع أن يُنهي ظاهرة عجز المعروض من الوحدات السكنية، وأن يتحول الأمر إلى فائض ربما مع بداية موسم الصيف القادم بعد أربعة شهور من الآن.

وهذا الفائض المتوقع سيضغط على أسعار الإيجارات الفلكية السائدة الآن، فتنخفض. وسيكون الانخفاض أسرع وأكبر إذا ما تزامن ذلك مع  حدوث انخفاضات جديدة على أسعار النفط. ولو تصورنا أن عدد السكان قد انخفض بنسبة 10% فقط خلال الفترة المشار إليها، فإن ذلك يعني انخفاض عدد السكان إلى  نحو 2 مليون نسمة فقط. ولن يؤثر استمرار تنفيذ المشاريع التنموية  على هكذا توقعات بالنظر إلى أن العاملين في هذه المشروعات يقيم أغلبهم في معسكرات عمل خاصة.

الجدير بالذكر أن عدد السكان في يناير 2013 كان 1,917 مليون نسمة، وقبلها بعام في فبراير 2012 كان في حدود 1,760 مليون نسمة. أي أن بالإمكان انخفاض عدد السكان قرابة نصف مليون نسمة إذا ما انخفضت أسعار النفط مجدداً.

إن التاريخ يعيد نفسه في علاقة أسعار الإيجارات بأسعار النفط، فقد حدث أن تضاعفت الإيجارات بشدة عام 1975، بتأثير الإرتفاع الأول لأسعار النفط، فزيدت الرواتب لجميع العاملين عدة مرات، وأمكن سد الفجوة بين العرض والطلب على الوحدات السكنية، فاستقرت الإيجارات. وتكرر الأمر عام 1981 بعد الارتفاع الثاني لأسعار النفط، حيث ارتفعت الإيجارات من جديد، ثم تراجعت واستقرت بعد انخفاض  أسعار النفط ثانية. وظلت الإيجارات شبه مستقرة بارتفاعات محدودة حتى عام 2002، وكان سعر الشقة في حدود 2000 ريال فقط والفيلا 5000 ريال فقط.. ومنذ عام 2003 بدأت جولة ثالثة من ارتفاع الإيجارات بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وصلت ذروتها عام 2008. وفي الفترة 2009-2011 انخفضت الإيجارات إلى مستويات تبدو معقولة  إلى حد ما بالمقارنة بمستويات الرواتب السائدة.

 ومع ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من مائة دولار للبرميل عادت أسعار الإيجارات إلى الارتفاع بقوة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، ودون أن يصاحب ذلك ارتفاع في مستويات الدخل. ومع هبوط أسعار النفط بشدة منذ أغسطس الماضي، فإن التأثير قد وصل متأخراً لأسعار الإيجارات، حيث لم يسجل الرقم القياسي للإيجارات أي ارتفاع جديد في ديسمبر الماضي، ثم سجل أول انخفاض له في يناير،، بعد ارتفاعه المتواصل منذ يونيو 2012.

الخلاصة أننا مقدمون في الشهور القادمة على احتمال حدوث تراجع في أسعار الإيجارات، وقد كانت شركة أزدان سباقة في قراءة المشهد القادم عندما قررت قبل عام  بيع جزء من مجموعة قرى أزدان، واستثمار حصيلة البيع في مجالات أخرى. ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ..... والله أعلم.