كيف أنهارت أسعار صرف العملات العربية ؟

08/08/2016 8
بشير يوسف الكحلوت

يعتبر سعر صرف أي عملة مؤشراً قوياً على مدى استقرار الوضع الاقتصادي في الدولة صاحبة العملة، وبقدر ما يرتفع معدل التضخم، تتآكل القوة الشرائية للعملة وينهار سعر صرفها. ويرتفع معدل التضخم بقوة في فترات التوترات السياسية والقلاقل والحروب إضافة إلى فترات الفساد والضعف الإداري، فتنخفض  الإيرادات وتزداد الإحتياجات وتتلاشى الاحتياطيات.

وفي مقال اليوم نعرض لتدهور أسعار الصرف في منطقة الشرق الأوسط، ونربط ذلك بما يجري في المنطقة من صراعات سياسية وعسكرية. وأبدأ بإسرائيل التي اصدرت بعد سنوات من تأسيسها، الليرة الإسرائيلية لتحل محل الجنيه الفلسطيني الذي كان مرتبطاً بالجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى سلسلة الحروب التي خاضتها إسرائيل مع العرب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات، فإن سعر صرف عملتها قد تدهور بحيث وصل سعر الدولار إلى 40 ليرة إسرائيلية عام 1977، فتم استبدال الليرة بالشيكل بواقع 10 ليرات لكل شيكل... أي 4 شيكل لكل دولار، ولكن التدهور استمر بعد ذلك وبسرعة بحيث بات الدولار يساوي 1500 شيكل في عام 1985، فتم تغيير العملة إلى شيكل جديد بسعر 4 شيكل لكل دولار، واستقر بعدها مع بعض التذبذبات كلما حاولت اسرائيل اجتياح قطاع غزة. 

ومع هدوء جبهات الصراع العربي الإسرائيلي، انتقلت المواجهات بين الإطراف الإقليمية في المنطقة-وهي وصية ديفيد بن جوريون لإسرائيل بأن يتولى العرب والمسلمين تدمير أنفسهم بأنفسهم- أي فخار يكسر بعضه-، فاندلعت الحرب الإيرانية العراقية،  والحرب الأهلية اللبنانية وحرب انفصال جنوب السودان عن شماله، ثم غزو العراق للكويت، وانقلاب العسكر في الجزائر، والإنقلابات في تركيا، واحتلال العراق، ثم الحروب التي أعقبت ثورات الربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا ومصر. فكيف تأثرت عملات هذه الدول بهذه الحروب والتوترات السياسية؟

إن نظرة على أسعار صرف عملات دول الشرق الأوسط مقابل الدولار يكشف  كيف انهارت هذه العملات إلى مستويات متدنية؛ فالدولار يعادل اليوم قرابة 4000 ريال إيراني،، ووصل سعر الدولار في تركيا في أواخر التسعينيات إلى نحو 1.5 مليون ليرة قبل أن تستقر الأمور في عهد أردوغان عند 3 ليرات للدولار فقط.

وانهار سعر صرف الدينار العراقي إلى 197 دينار لكل دولار، رغم أن العراق من كبار منتجي النفط في الأوبك.

وانهار  الريال اليمني إلى 250 ليرة لكل دولار، كما انهارت الليرة السورية إلى 215 ليرة لكل دولار، وانهار سعر صرف الجنيه السوداني بعد إنفصال الجنوب ووصل مؤخراً إلى 13.5 جنيه لكل دولار في السوق الموازية، وتراجع سعر صرف الدينار الجزائري أيضاً.

وفي المقابل ظلت أسعار صرف عملات دول الخليج مستقرة بسبب ما تتمتع به من استقرار سياسي واحتياطيات مالية كبيرة. وباستثناء الهزة التي تعرض لها الدينار الأردني بعد فك الارتباط مع الضفة عام 1986، فإن سعر الدينار قد تمتع باستقرار  عند 1.41 دولار لكل دينار بفضل الاستقرار السياسي وما يحصل عليه الأردن من مساعدات مالية دولية وعربية.

وفي مصر، ورغم الحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل في زمن عبد الناصر، ورغم قيادة الرجل لحركة التحرير العربي في اليمن والجزائر، فإن سعر صرف الجنيه المصري ظل متماسكاً حتى وفاته عام 1970، عند مستوى 73 قرشاً للدولار، رغم الحصار الاقتصادي الغربي، وذلك بفضل تأميم مصر لقناة السويس، وجهود التنمية في مجالي الصناعة، وبناء السد العالي والإصلاح الزراعي.

ومع سياسة الانفتاح التي انتهجها السادات والتي فتحت الباب واسعاً أمام زيادة العجز التجاري، والديون، فإن سعر صرف الجنيه قد تراجع بشكل ملحوظ، ثم استقر في بداية  عهد مبارك مع  عودة الدعم العربي، قبل أن يتراجع في أواخر سنوات حكمه بسبب الفساد.

وعندما جاء السيسي كان الدولار قد وصل إلى نحو 6.5 جنيه لكل دولار. وكأن الرجل جاء بمهمة تدمير الاقتصاد المصري من خلال سياسات فاشلة في كل المجالات.

فرغم الدعم الكبير الذي حصل عليه من دول خليجية، إلا أن ذلك لم يفلح في وقف التدهور... فوصل سعر الجنيه إلى نحو 13 جنيه لكل دولار، أي إلى نصف ما كان عليه في صيف عام 2013. وقد بات المحللون والخبراء يتوقعون أن يواصل سعر الجنيه تدهوره في السنوات القليلة القادمة، ربما إلى قرابة 20 جنيه لكل دولار.

نقلا عن الشرق القطرية