ما فعلاً «ننتجه» من النفط

20/02/2014 3
وليد عرب هاشم

لو ورث أحدنا مبلغا ضخما من المال وقام بتخزينه، وكلما احتاج إلى شيء فتح الخزنة وأخذ جزءا من هذا الإرث وأنفقه، وهكذا لو أراد شراء سيارة جديدة أو القيام برحلة خلال الإجازة أو اشتهى أي شيء آخر ما عليه سوى التوجه للصندوق الحديد وفتحه وإخراج جزء من إرثه وإنفاقه على ما يشتهى، بالتأكيد لا يمكن أن نعتبر هذا الوارث وكأنه هو الذي أتى بالثروة، صحيح أنه حافظ على المال وخزنه، ولكنه ــ بالتأكيد ــ ليس هو الذي صنع الثروة ولا يعتبر منتجا لها.

وكذلك ممكن أن ننظر إلى إنتاج النفط، فهذه الثروة ليست من صنعنا، وإنما أكرمنا الله بها وتكونت في حقول ضخمة على مدار ملايين من السنين، واستخراجها لا يعني أننا (أنتجناها)، صحيح أن عمليات التنقيب والبحث والحفر لاستخراج النفط ومما تم تخزينه وتصديره هي عمليات ليست بسيطة، ولكنها جميعها لا تساوي سوى جزء بسيط يقدر بحوالي عشرة في المئة من قيمة برميل النفط الذي نصدره، وبالتالي فإن حوالي تسعين في المئة مما نحصل عليه من بيع النفط هو ناتج من أننا «ورثنا» هذا النفط الخام وليس بسبب أي شيء قمنا به أو أضفناه إليه.

ولذلك عندما نقول إننا ننتج حوالي عشرة ملايين برميل من النفط يوميا ونصدر منها حوالي ثمانية ملايين برميل ونحصل مقابله على مئات المليارات، علينا أن نتذكر أن دورنا في هذا الإنتاج قد لا يتعدى عشرة في المئة، أو أن نصيب عملنا من كل العملية لا يتعدى عشرة في المئة، وباقي التسعين في المئة هي ليست «إنتاجا» أو جهدا منا، وإنما عملية بيع إرث أو ثروة وجدناها وأكرمنا الله بها، ونقوم منذ عشرات السنين باستخراجها تدريجيا وبيعها لنتمتع بها، تماما مثل ما يقوم به الوارث ببيع إرثه تدريجيا.

بالطبع، هذا لا يعني أننا لا نستحق هذه الثروة ولا يحق لنا أن نتمتع بها، بالعكس فهي لنا ــ والحمد لله ــ وقد نكون مؤهلين لها والله أعلم، فهذا بلد وهذه دولة قامت بخدمة الحرمين الشريفين منذ تأسيسها ووضعت رايتها كلمة التوحيد، وبالتالي قد يكون أن الله ــ سبحانه وتعالى ــ أكرمها وأكرم أهلها بثروات وأورثهم كنوزا من الأرض وسخر لهم من يخدمهم ويستخرجها لهم.

ولكن في نهاية المطاف، ومهما كانت الأسباب، فإن أي إرث يتم الصرف منه لا بد أن ينتهي وقد نختلف بالنسبة لإرثنا من النفط، وإن كان سيظل موجودا ومطلوبا لمدة عشرين عاما أو لمدة مائتي عام، ولكن لا نختلف على أن الثروة التي نسحب منها ولا نضيف إليها ستنفد عاجلا أم آجلا، ولذلك فإنه من المهم ومن الأولوية أن نستمع للنداءات المتكررة التي تطالب بتنويع الأنشطة الاقتصادية لدينا وبالابتعاد عن الاعتماد الكلي على تصدير النفط والصرف من إيراداته، ومن المهم أن لا نطمئن بحجم هذه الإيرادات الضخمة، والتي هي أساس غنى اقتصادنا ونموه القوى، فهذه الإيرادات ليست من صنع أيدينا وليس لنا إلا جهد أو دور بسيط جدا فيما حصلنا عليه، وبالتالي فإن (إنتاجنا) الفعلي أو جهدنا في هذا الاقتصاد الغني هو أقل بكثير من حجم هذا الاقتصاد أو قيمة صادراتنا، فمعظم الذي نحصل عليه ليس ناتجا إلا من بيع إرث أكرمنا الله به، ومصير أي إرث هو النفاد مهما طال الزمن.

نقلا عن جريدة عكاظ