هل كان النفط هو سر النهضة السعودية؟

25/02/2024 2
د. محمد آل عباس

عندما نتحدث عن التأسيس، فينبغي -في نظري- ألا نغفل عن أنه مر بمراحل متعددة، فهناك مرحلة تأسيس مفهوم الدولة السعودية، ومرحلة انتزاع الحق في الوجود كدولة واحدة، ومرحلة تأسيس الوحدة، ثم مرحلة تأسيس الاقتصاد الحديث، ولقد بينت في مقال سابق عن التأسيس أن المرحلة الاقتصادية منه، لم تبدأ فعليا إلا بعد أن أنجز الملك عبدالعزيز مرحلة الوحدة، وخلال بحثي عن تاريخ الاقتصاد السعودي في تلك المرحلة وجدت دراسة منشورة في موقع صندوق النقد الدولي، نشرت 1974 لعدد من الباحثين، والباعث على تلك الدراسة كان بروز السعودية كقوة مالية كبرى على الساحة النقدية العالمية، وتأثير أهم مورد وهو النفط، الذي تم اكتشافه بكميات تجارية في تلك الفترة من 1940، وحتى 1951 تم إطلاق 13 حقلا لإنتاج النفط باحتياطيات قدرت بنحو 126.4 مليار برميل للحقول التي تم مسحها، كما تبين أن السعودية هي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط التي تتجاوز الإضافات السنوية إلى الاحتياطيات المؤكدة مستويات الإنتاج باستمرار.

وفي تقديري أن هذا يشير بكل وضوح إلى أن الحكومة السعودية منذ اللحظات الأولى لحكم الملك عبدالعزيز كانت تأخذ مسألة الاستقرار الاقتصادي على محمل الجد، فمراحل التأسيس التي سبقت، أكدت بأن القوة الاقتصادية جنبا إلى جنب القوة العسكرية هي المانع الأساس -بعد توفيق الله- من أي تهديد جديد للدولة، لذلك تم الاهتمام بالاقتصاد منذ اللحظات الأولى رغم أن اقتصاد النفط لم يكن واضح المعالم، ولم تكن اتفاقياته مواتية، فالدراسة المذكورة تتبعت مستويات الإنتاج في كل المراحل منذ 1940، وقد لاحظ الباحثون أن إنتاج النفط في السعودية تأثر بعوامل خارجية مرتبطة بنمو الطلب العالمي على النفط والتقلبات في الإمدادات من مناطق الإنتاج الأخرى، وقد حدث انخفاض حاد في معدل إنتاج السعودية خلال الأعوام الثلاثة التالية لعام 1966 ارتبط بإغلاق قناة السويس في منتصف 1967 (مع الإغلاق الممتد لخط TAPline) ونقص سعة الناقلات.

لكن الأهم في هذه الرحلة هو إيرادات النفط، فقد نصت اتفاقية عام 1933 بين الحكومة السعودية وشركات النفط على دفع عمولات للحكومة قدرها أربعة شلنات ذهبية لكل طن من النفط المنتج وهو مبلغ زهيد، وفي 1948، رفعت العمولات بمقدار 5 سنتات أمريكية للبرميل، وفي ديسمبر 1950، فرضت الحكومة السعودية ضريبة دخل بمعدل 50 % على صافي الدخل التشغيلي لشركات النفط. ومع ذلك، سمح لأرامكو أن تحسم من التزاماتها الضريبية على الدخل السعودي عدة مدفوعات مباشرة إلى الحكومة كإيجارات وعائدات، إضافة إلى الضرائب الأخرى المدفوعة للحكومات الأجنبية، لكن أدخلت اتفاقية عام 1950 تلك صيغة تقاسم الأرباح بنسبة 50:50، وخلال الأعوام من 1960، وحتى 1966، خضعت الاتفاقية بين الحكومة وشركة أرامكو لعديد من التغيرات لخدمة ميزانية الدولة نظرا لأن معظم إيرادات الميزانية كانت لدعم النمو الداخلي والتنمية التي امتدت لكل شبر في الدولة، فخلال الخمسينيات نمت نفقات الحكومة بسرعة فظهر العجز المالي وتأثرت احتياطيات النقد الأجنبي، وانخفاض قيمة الريال السعودي، لكن في الستينيات بدأت الحكومة بتطبيق سياسات صارمة للقضاء على العجز المالي وانتهت تلك الإصلاحات المالية السليمة بتحقيق فوائض في ميزان المدفوعات مع الإصلاح الإداري.

هذه الإنجازات الضخمة كانت مع أسعار للنفط عند 1.80 دولار طوال الستينيات، وانخفاض التصدير، حتى عندما ارتفعت إلى نحو 1.90 دولار للبرميل، وهذا يؤكد تماما بأن إنتاج النفط لم يكن عامل الاستقرار والنهضة، فلم تكن الأسعار عادلة ولا الظروف العالمية مواتيه للدولة الفتيه، ومع ذلك نجحت الحكومة في بناء دولة متينة واقتصاد مستدام بفضل الله ثم بالإرادة القوية لشعب ناضل مع حكامه طوال أكثر من 300 عام من أجل أن تقف السعودية اليوم كأحد أقوى الدول تأثيرا على الساحة العالمية.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية