عاشت قطر في الأسبوع الماضي حدثاً تاريخياً قل نظيره في عالمنا المعاصر، وفي الوقت الذي وفق الله الأمير حمد بن خليفة لتحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية هائلة في زمن قصير نسبياً، إذا به يقرر تسليم مقاليد الحكم في البلاد لولي عهده، بعد أن رأى فيه على مدى السنوات العشرة الأخيرة طاقات عمل شابة وناضجة،وقدرة عالية على إكمال المسيرة على نحو يدعو للإطمئنان على مستقبل البلاد.
وقد بدا سمو الأمير تميم في خطابه الأول للأمه ؛ واثقاً من نفساً ، عازماً على حمل الأمانة وتحمل تبعات المسؤولية، على ضوء ما تم إنجازه من ناحية، وعلى هدىً من معالم الطريق التي رسمتها رؤية قطر 2030، وفي إطار العمل الجاري لتنفيذ الإستراتيجية التنموية الأولى من ناحية أخرى.
وقد جاء التشكيل الوزاري الأول في عهد الأمير تميم ليؤكد على المعاني المشار إليها، وهو ما يمكن استخلاصه من نظرة فاحصة للأسماء التي اختارها لتكون فريق عمله الأول، ومن أسماء الحقائب الوزارية.
وألخص فيما يلي قراءتي الشخصية لتلك الدلالات على النحو التالي:
1-أن الإلتزام بالرؤية والاستراتيجية التنموية الأولى قد استلزم بقاء الدكتور صالح النابت وزيراً للتخطيط التنموي، مع إضافة مهمات الإحصاء له، لما بين التخطيط والإحصاء من علاقات وثيقة تفرض بقائهما تحت مظلة واحدة مثلما كان معمولاً به قبل 6 سنوات.
والوزير النابت من القيادات التي تمرست على العمل التخطيطي منذ سنوات طويلة حيث بدأ حياته خبيراً في أمانة التخطيط قبل أن يصبح وزيراً لها قبل عدة سنوات.
2-أن اعتبارات إكمال المسيرة قد استوجب أيضاً بقاء نصف الوزراء في مناصبهم وهم إلى جانب التخطيط التنموي: وزراء الداخلية، والطاقة والصناعة، والدولة لشؤون الدفاع، والبلدية والتخطيط العمراني، والصحة، والأوقاف، والثقافة والفنون، مع تغيير حقيبة المحمود وترفيعه إلى نائب رئيس المجلس، وإضافة حقيبة جديدة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقيادة ذات المرأة التي تقود العمل في نفس المجال.
3-أن اختيار وزير الداخلية رئيساً لمجلس الوزراء الجديد يدل من جهة على الرغبة في إكمال المسيرة -كما أسلفنا- باعتباره كان على علم بالخطط والتوجهات، ومن جهة أخرى على حرص سمو الأمير الجديد على إعطاء الأمن والأمان أهمية كبيرة باعتبار أنهما ضروريان لحدوث التقدم والازدهار.
4-أن التشكيل الجديد قد تضمن وزيراً واحداً للخارجية، في مقابل ثلاثة كان الأول منهم برتبة رئيس وزراء، والثاني وزير دولة للشؤون الخارجية، والثالث وزيراً للتعاون الدولي، والأخير منهم تسلم حقيبة الخارجية، مما قد يترتب عليه الاهتمام أكثر بقضايا الداخل.
5-أن بقاء الدكتور السادة وزيراً للطاقة والصناعة، يجسد الاهتمام بتولي شخصية شابة ومؤهلة لهذا الملف الصعب الذي هو العمود الذي ينبني عليه نجاح المسيرة واستمراريتها.
6-أن التشكيل الجديد قد استحدث وزارة للتنمية الإدارية من أجل وضع الخطط اللازمة لتطوير الأداء حكومي، والارتقاء بقدرات الكوادر الوطنية.
7-أن اختيار رئيس ديوان المحاسبة السابق ليكون وزيراً للرياضة قد تكون له دلالته في الحرص على سلامة هذا الملف، في مرحلة الاستعداد للمونديال.
8-أن وجود وزير الداخلية على رأس الوزارة، وشغل الوزير المحمود حقيبة شؤون مجلس الوزراء بدرجة نائب للرئيس، مع وجود كل من الدكتور النابت وصلاح العلي في التشكيل، قد يوحي بأن مرحلة التوسع في الاستثمارات الخارجية على حساب زيادة الدين العام قد انتهت.
9-أن التشكيل الجديد للمجلس قد فصل الاقتصاد عن المالية وأعاد جمعها مع التجارة، وذلك ينسجم مع التعديلات السابقة التي أعطت صلاحيات الإشراف على كافة الهيئات الرقابية لمحافظ مصرف قطر المركزي.
10-أن تسلم السيد علي شريف العمادي منصب وزير المالية كان أمراً منطقياً في ظل التلازم السائد منذ الاستقلال بين منصبي وزارة المالية ورئاسة مجلس إدارة بنك قطر الوطني، وبالتالي سيبقى العمادي مع البنك رئيساً لمجلس إدارته، بعد أن أثبت كفاءة في عمله كرئيس تنفيذي للبنك .
11-أن تسلم الدكتور حسن المهندي حقيبة العدل ينسجم مع مؤهلاته القانونية وخبراته التشريعية العديدة، وعمله بالديوان الأميري ومجلس الوزراء.
12-أن تسلم الدكتور عبدالله الخليفي-رئيس جامعة قطر السابق- وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يفتح الباب لإصلاحات مهمة في منظومة وزارة العمل.
وبعد.... كانت هذه تأملات في ملامح التشكيل الوزاري الجديد، وقد أكون قد أصبت فيها أو أخطأت في بعضها، والله نسأل أن بعين صاحب السمو الأمير وفريق عمله،، وأن يوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد.