الهروب إلى الأمام!!

03/06/2013 13
سليمان المنديل

نقلت الأخبار، أن عضواً في مجلس الشورى قد رفع قضيتين ضد داعية، بسبب قصيدة عدَّها المدعي مسيئة له،وضد شخص آخر، بسبب تغريدة.

ومصدر الغرابة ليس في نوعية الشكاوى، ولكن في السرعة التي قررت فيها المحكمة الجزائية النظر في القضيتين، بعد أسبوعين من تقديم الشكويين!! 

يا للعجب، فذات الجهاز القضائي كان يرفض تاريخياً أن يُنتقد، بأنه يتأخر في البت في القضايا، وكان أي نقد في ذلك الاتجاه يعدونه نقداً للشريعة ذاتها.

ثم اعترف الجهاز القضائي لاحقاً بنقص عدد القضاة، وانشغالهم بأمور إدارية، بسبب النقص في المساعدين الإداريين، واشتكوا من وضع المحاكم ذاتها، من مبانٍ، وتجهيزات... إلخ. 

إذا كان هذا هو وضع جهازنا القضائي، وكلنا يعرف أن هناك قضايا تجارية تراوح مكانها في أروقة المحاكم منذ عقود،وحقوق إرث، خصوصاً لأرامل، معطلة لسنوات طويلة، ومثلها حقوق الزوجات في الطلاق، وحضانة أطفالهن(وهنا لابد من التنويه، والإشادة ببرامج المحطات الفضائية، التي ركّزت على أوجه القصور تلك). 

لذلك، فالعجب هو أن ينظر القضاء في مثل تلك الشكاوى، وأن ينظر فيها بهذه السرعة على حساب غيرها من القضايا الأهم!! 

ذلك التعجب يثير عدداً من الأسئلة:- 

- الهجاء في الشعر كان موجوداً على مر العصور، وأهم تلك السجالات كانت تجري بين الشاعرين، الفرزدق وجرير،ولم يقدمهما أحد إلى محاكم، فلماذا الآن؟ ولماذا لا يكون جواب القصيدة بقصيدة، شريطة ألا تتجاوز حدود اللياقة والأدب، وألا تكون سبباً في إثارة نعرات اجتماعية؟! 

-كم من المحاكم، والقضاة، سنحتاج لمحاكمة المغردين، وفضاء التواصل الاجتماعي فسيح مثل فضائنا الممتد من هذه الكرة الأرضية، وحتى نهاية مجرة درب التبانة التي تضم كوكبنا وغيره من الكواكب، فهل فكرنا بما يعنيه استقبال المحاكم لشكاوى التغريدات من جهد، ومضيعة للوقت، وتعطيل لمصالح باقي الناس؟ 

-لو أسأت الظن، لقلت إن الاستجابة لهاتين الشكويين قد تكون محاولة لإيهام منتقدي الإجراءات القضائية بأنها،أي المحاكم، قادرة على معالجة الهموم اليومية كلها، وأنها أصبحت من القدرة المهنية بأن تنظر في قضايا التغريدات الشاردة، وهو وضع لم تصل إليه، ولا حتى المحاكم الإسكندنافية؟! 

-لذلك أتساءل، هل هي محاولة للهروب إلى الأمام؟! 

أختم برجائي صادقاً، أن يتحسن أداء القضاء، لإنصاف الأرامل، والمطلقات أولاً، ثم لمعالجة باقي قضايا المجتمع،الاجتماعية، والاقتصادية.

ودعونا لا نكابر، ولا نعطي جهاز القضاء قدسية، فهو جهاز إداري، لا يختلف عن أي جهاز آخر، يعاني من المصاعب الإدارية، والمهنية ذاتها.

فهل لنا أن نطالب بعدم النظر في هذه القضايا، وإذا كان ولابد منها، فتحال إلى وزارة الإعلام، لكي تتفرغ محاكمنا لقضايا المجتمع الملحّة، وهي كثيرة؟! 

ولو استمر الوضع على المنوال الحالي، فهل عليّ أن أتوقع أن تأتيني، وبسبب هذا المقال المتواضع، مذكرة لأمثل أمام محكمة ما؟! وخلال ثلاثة أيام؟!