أساليب التصدّي لمحاولات الاستحواذ على الشركات

07/01/2013 0
د. فهد الحويماني

قامت هيئة السوق المالية مطلع العام الفائت بتعديل لائحة الاندماج والاستحواذ للشركات المدرجة، حيث أبانت اللائحة جوانب عديدة ومهمة لهاتين العمليتين في 38 مادة شملت قواعد تقديم عروض الاندماج والاستحواذ من قبل الجهة العارضة والجهة المعروض عليها، من حيث توقيت الإعلان والحصول على استشارة مستقلة والالتزام بقيود محددة لتعاملات الأطراف المعنية والمساواة في توفير المعلومات وتقييم الأصول وغيرها. ومن أهم المواد تلك المادة التي تلزم من يرغب في الاستحواذ على أسهم شركة معينة، ويقوم بشراء الأسهم قبل الإعلان عن نيته بالاستحواذ، أن يجعل سعر العرض الذي يتقدم به لا يقل عن السعر الذي اشترى به الأسهم. كما إن عليه زيادة سعر العرض فيما لو قام بشراء الأسهم بسعر أعلى من سعر العرض بعد الإعلان عن نية الاستحواذ. والهدف من هذه اللائحة جعل عملية الاستحواذ عادلة وشفافة ومنظمة.

إلا أن هناك جوانب أخرى مهمة لعملية الاستحواذ قد يكون من المناسب أخذها في الاعتبار، ربما من خلال مواد إضافية في اللائحة أو من خلال قواعد أخرى تقرها الهيئة بشكل أو آخر، وهي تلك المتعلقة بما تقوم به بعض الشركات قبل عملية الاستحواذ أو بعدها بهدف عرقلة العملية وإفشال الصفقة. والسبب في عدم رغبة الشركة في العرض المقدم هو إما أن سعر العرض غير مناسب، وهذا إجراء لا غبار عليه ويصب في مصلحة المساهمين، أو أن مجلس الإدارة يخشى أن الاستحواذ سيضر بمصالحه الخاصة ومصالح الإدارة التنفيذية للشركة. على سبيل المثال، قد تقوم شركة بالاستحواذ على أخرى وترى ضرورة التخلص من مجلس إدارة الشركة بأكمله، ربما لاعتقادها بأنه عالة على الشركة، وربما ترى أن الجهاز التنفيذي للشركة غير مناسب، وتنوي بعد الاستحواذ طرد مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين في الشركة. وقد يكون العرض المقدم وما يشمله من تغييرات في مصلحة مساهمي الشركة، إلا أن مجلس الإدارة قد يرى غير ذلك ويلجأ إلى بعض الحيل والآليات المعينة للتصدي لهذا العرض. هنا سنتطرق لأشهر هذه الطرق لمجرد التعرف عليها ومعرفة مدى إمكانية حدوثها بين الشركات السعودية، وإذا ما كان هناك وسيلة للسيطرة عليها بالشكل الذي يعود بالفائدة على مساهمي الشركة.

من طرق التصدي لعمليات الاستحواذ هناك الطرق التي تتم قبل حدوث العرض، وأهمها خطة حقوق المساهمين المسماة "حبة السُّم"، وهناك الطرق المتخذة بعد حدوث العرض وتشمل قيام الشركة بشراء أسهمها من جميع المساهمين عدا الجهة المتقدمة بعرض الاستحواذ، ما يرفع من سعر السهم السوقي ويجعله مكلفاً على المشتري، فتفشل العملية. بالنسبة لحبة السُّم فهي تتم بإعلان مجلس الإدارة، بعد أخذ الموافقة اللازمة، بأن الشركة ستُفعِّل حبة السم متى ظهر هناك تملك للأسهم بنسبة تتجاوز حداً معيناً، مثلاً 20 في المائة من أسهم الشركة، فتخول هذه العملية ملاك الأسهم الحاليين، عدا المالك الجديد، شراء أسهم إضافية بسعر أقل من سعر السوق. فإن مارس المساهمون حقهم في ذلك فسيزداد عدد أسهم الشركة وتقل تبعاً لذلك نسبة تملك المشتري الجديد، فيصعب عليه الحصول على حصة مسيطرة في الشركة، وتزداد تكلفة شراء الأسهم عليه، فتفشل العملية.

ولا يزال استخدام حبة السُّم من قبل الشركات موضع نقاش وتحديات قانونية، فبعض الدول مثل المملكة المتحدة لا تسمح بهذه العملية إلا بموافقة مساهمي الشركة، وفي ذلك عدالة معقولة، حيث إنها تجعل قرار حبة السُّم في أيدي المساهمين أنفسهم وليس في يد مجلس الإدارة. وهذا الإجراء أفضل مما هو متبع في أمريكا، حيث إن القرار في يد مجلس الإدارة، الذي كما ذكرنا قد لا يكون تصرفه في مصلحة المساهمين. على سبيل المثال، هناك شركات تدفع مرتبات سنوية باهظة للرئيس التنفيذي وعلاوات سنوية عالية، فطبيعي أن يعمل مثل هذا الشخص لإيقاف عملية الاستحواذ التي قد تفقده وظيفته. كما أن هناك بعض أعضاء مجلس الإدارة ممن لهم علاقات ومصالح مرتبطة بعضويتهم في مجلس الإدارة وهم بذلك لن يوافقوا على قيام جهة أخرى بالاستحواذ على الشركة وطردهم من مجلس الإدارة، حتى إن كان العرض فعلياً في مصلحة المساهمين. وهناك نوع آخر من حبوب السُّم يمنح المساهمين الحق في شراء أسهم الشركة الراغبة في الاستحواذ بسعر أقل من سعر السوق، أي أن على الشركة الراغبة في الاستحواذ بيع أسهم جديدة لمساهمي الشركة المراد الاستحواذ عليها بسعر منخفض. وفي الغالب إن مجرد وجود هذه الخاصية في نظام الشركة يصد كثيرا من الجهات الراغبة في الاستحواذ.

هناك كذلك إجراء آخر تقوم به بعض الشركات للتصدي لعمليات الاستحواذ عبارة عن عملية "تسميم" الشركة من خلال شرائها سنداتها المصدرة. ويتم ذلك بإيجاد مادة في عقود السندات التي تصدرها الشركة بحيث إنه في حالة حدوث عملية استحواذ غير مرغوب فيها، فيحق لملاك السندات استعادة أموالهم من الشركة بقيمتها الاسمية، ما يجعل المشتري الجديد يتراجع عن قراره.

كما تلجأ بعض الشركات لأساليب معينة منذ البداية لإبعاد الشركة عن أنظار المستحوذين، ومنها تغيير نسب التصويت في مجلس الإدارة لتجعلها 75 في المائة بدلاً من 51 في المائة، حيث بالإمكان القيام بذلك في بعض الدول وفي بعض الولايات في أمريكا، ما يجعل عملية السيطرة على الشركة أكثر صعوبة على المستحوذ. كما يمكن للشركة أن تضمِّن في عقود كبار موظفيها مواد تمنحهم مكافآت ضخمة في حالة حدوث عملية استحواذ، تسمى البرشوتات الذهبية، بهدف رفع تكلفة الاستحواذ على المشتري الجديد. كما يمكن للشركة أن تقر حداً أدنى لسعر الاستحواذ، بحيث لا يمكن بيع أسهم الشركة بأقل من سعر معين، يكون غالباً مبالغا فيه.

ما ذكر أعلاه بعض من الأساليب المستخدمة للتصدي لعمليات الاستحواذ قبل حدوثها، لكن بعد الإعلان عن نية الاستحواذ تلجأ الشركة إلى ممارسة أساليب مختلفة، منها طريقة "الابتزاز الأخضر"، وهو عكس الابتزاز السلبي الذي يحدث بالقسر والقوة، والمقصود هنا قيام الشركة المراد الاستحواذ عليها بشراء الأسهم التي في حوزة الجهة الراغبة في الاستحواذ بسعر عالٍ لإغرائها بالعدول عن قرارها وترك الشركة في حالها، ومثل هذا الإجراء قد يكلف الشركة أموالا طائلة، ليست بالضرورة في مصلحة المساهمين. وقد تلجأ الشركة لأساليب المماطلة كأن ترفع شكوى قضائية بحجة أن العملية ستؤثر في البنية التنافسية للقطاع أو إن في ذلك إضرارا بالمصالح الوطنية، وما إلى ذلك. وأخيراً قد تلجأ الشركة إلى جلب أطراف أخرى لمنافسة الجهة الراغبة في الاستحواذ، أو أن تقوم بضربة استباقية تتمثل في بيع أهم أصول الشركة أو إحدى الشركات المهمة التابعة لها بشكل يفقد الشركة جاذبيتها ويصد عنها الجهة الراغبة في الشراء.