الطاقة المتجددة والنووية في الخليج ومسوّغاتهما

26/12/2012 10
د.أنس الحجي

ثمة تساؤلات كثيرة حول الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة المتجددة والنووية في دول الخليج، ويتوقع البعض أن تزداد التكاليف في شكل كبير في المراحل الأخيرة لهذه المشاريع. ويبدو أن النقاش حول الجدوى الاقتصادية لا أهمية له في ظل العوامل السياسية والإستراتيجية التي قد تكون الأساس في القرار في المضي قدماً في هذه المشاريع. بكلام آخر، هناك مسوغات اقتصادية وسياسية واستراتيجية لهذه المشاريع، فإذا كانت الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع غير كافية، فالمسوغات السياسية والإستراتيجية كافية حتماً.

وقبل الخوض في التفاصيل، لا بد من التأكيد أن من الحقوق السيادية لأي دولة أن تنوع مصادر الطاقة فيها بهدف تحقيق «أمن الطاقة» بعض النظر عما إذا كانت الدولة مصدرة للنفط أو مستوردة له. وبناء على الاتفاقات الدولية، يحق لأي دولة بناء مفاعلات نووية سلمية لتوليد الكهرباء. وعلينا أن نتذكر أن كثيراً من الدول المستهلكة للنفط تبنت مشاريع الطاقة «البديلة» على رغم ثبوت عدم جدواها الاقتصادية، وأنفقت البلايين من الدولارات عليها.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن المعطيات الحالية تشير إلى حاجة دول المنطقة إلى الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، إلا أن تجاهل التعاون الإقليمي في هذا المجال قد يكون فوّت فرصاً كبيرة لخفض التكاليف وتحسين مستويات الأداء والسلامة في هذه المفاعلات، خصوصاً أن بعض الدول تعاني شحاً في المياه وبعضها الآخر شحاً في الموارد البشرية المتخصصة لتشغيل هذه المفاعلات.

ولا بد من التشديد أيضاً على أن الكهرباء حق للجميع، وأن خفض استهلاك شعب لمصلحة شعب آخر غير مقبول، وأن لا بد من زيادة الكفاءة في الاستخدام لمنع الهدر الناتج من الأسعار المنخفضة التي تقل عن التكاليف. لهذا، لا يُستغرَب أن تتبنى الدول المصدرة للنفط في شكل عام، ودول الخليج في شكل خاص، مشاريع للطاقة الشمسية والنووية، حتى لو لم تكن مجدية اقتصادياً، لأن هناك ضغوطاً داخلية وخارجية عليها.

على صعيد الضغوط الداخلية، ساهم ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة في زيادة الإيرادات الحكومية في شكل كبير، الأمر الذي نجم عنه إنفاق ضخم على المشاريع التنموية والدعم المباشر للبرامج الاجتماعية المختلفة. وصاحب هذا التدفق المالي انفجار سكاني من جهة نتيجة زيادة معدلات المواليد وتحسن الوضع الصحي، وتضخم المدن بسبب الهجرة من الريف من جهة أخرى. ونتجت من هذه العوامل الثلاثة، زيادة كبيرة ومستمرة في استهلاك الطاقة بشتى أنواعها.

وكرس هذا الاتجاه الدعم الحكومي بأشكاله كلها لأسعار الطاقة. وبما أن مصادر الطاقة الأساسية هي النفط والغاز، من الطبيعي أن تنخفض صادرات النفط والغاز إذا استمرت اتجاهات الاستهلاك على ما هي عليه الآن. وبما أن صادرات النفط والغاز هي المصدر الأساس للإيرادات الحكومية، وبما أن الشعوب الخليجية تعتبر الدعم الحكومي لأسعار الطاقة وغيرها حقاً من حقوقها كنوع من توزيع الثروة، قد يؤدي انخفاض صادرات النفط، وبالتالي الإيرادات الحكومية، إلى نتائج سلبية على المستويين السياسي والاقتصادي، لذلك من المنطقي أن تندفع الحكومات بقوة للبحث عن مصادر أخرى للطاقة مثل الطاقة النووية والشمسية، بغض النظر عن جدواها الاقتصادية، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وعلى صعيد الضغوط الخارجية، هناك ضغوط سياسية وديبلوماسية وإعلامية ضخمة على الدول النفطية لتتعاون مع الدول المستهلكة للنفط في مفاوضات «التغيير المناخي»، خصوصاً أن هناك قناعة لدى كثيرين في الدول المستهلكة بأن النشاطات البشرية هي السبب الرئيس في التغيير المناخي وأن الوقود الأحفوري يساهم في زيادة انبعاثات غازات الكربون. وترى الدول النفطية أن ما يطلَب منها غير معقول، خصوصاً في ما يتعلق بدفع ضرائب لدول أخرى. من هنا، فإن إنفاق البلايين من الدولارات على مشاريع الطاقة النووية والشمسية التي تساهم في خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري أفضل من دفع البلايين ذاتها إلى دول أخرى.

لكن ثمة مشكلات متوقعة. فمن الصعب أن تحقق دول الخليج أهدافها المعلنة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية لأسباب فنية بحتة، ومن الصعب أيضاً أن يجرى إنتاج الكهرباء بالتكاليف المعلنة، فالزيادة في التكاليف ستظهر بعد الانتهاء من هذه المشاريع نتيجة انخفاض الكفاءة في الإنتاج بسبب العواصف الرملية من جهة، والرطوبة في المدن الساحلية من جهة أخرى. ومن الصعب أيضاً أن يجرى الانتهاء من مشاريع الطاقة النووية في الوقت المعلن لأن هذه المشاريع تعاني التأخير وارتفاع التكاليف في المراحل الأخيرة، في العالم كله، حتى في أكثر الدول تقدماً، ونظراً إلى الأموال الضخمة المخصصة لهذه المشاريع، لا يستغرَب وجود فساد إداري ومالي في خصوص هذه المشاريع في العالم كله أيضاً.

اذاً، هناك اعتبارات سياسية وإستراتيجية لمشاريع الطاقة المتجددة في الخليج، بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع. وقد يكون من الأفضل لدول الخليج أن تروج لهذه الأفكار، بدلاً من التركيز فقط على الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع. ونظراً إلى أن الطاقة الشمسية لن تحقق الهدف المنشود، ولأن الطاقة النووية ستتأخر عن الوقت المحدد لها، يتوقع انخفاض صادرات النفط من دول الخليج، الأمر الذي سيساهم في بقاء الأسعار مرتفعة.