أثر إعصار “هارفي” في أسواق النفط العالمية

28/08/2017 0
د.أنس الحجي

من الصعب الوصول إلى نتيجة بالأثر النهائي لإعصار “هارفي” في أسواق النفط الأمريكية والعالمية في الوقت الحالي لأنه خفض الإنتاج والطلب في الوقت نفسه، والحصيلة النهائية هي صافي هذه القوى. ولكن يمكن على الأقل حصر هذه القوى المختلفة ومعرفة أثارها كلا على حدة، ضمن نطاقات معينة.

ويتمثل أثر إعصار “هارفي” في أسواق النفط الأمريكية العالمية في الأمور التالية:

أ- الأثر في العرض أو الامدادات

1- واردات النفط الأمريكية: منع “هارفي” الملاحة في مناطق سيره في خليج المكسيك، الأمر الذي منع حاملات النفط من الوصول إلى الموانئ الأمريكية في المنطقة. وليس هناك أرقام رسمية ولكن تقدر كميات التأخير بين 1,5 مليون و 2,5 مليون برميل يوميا. هذا يعني نقص في الإمدادات بمقدار هذه الكميات. إلا أن هذا النقص مؤقت لأن كل حاملات النفط التي تأخرت وبقيت خارج منطقة الإعصار ستعود مجرد انتهائه، ومعها الناقلات الواصلة حديثا. وقد تحتاج غدارة الموانئ إلى حوالي أربعة أسابيع للعودة إلى الوضع الطبيعي.  هذا يعني أن نقص الإمدادات المؤقت سيخفض المخزون مؤقتا، ومع عودة الإمدادات المتأخرة والواصلة حديثا، سيرتفع المخزون في الأسبوع الذي يليه.   ويوضح الشكل البياني رقم (1) واردات الولايات المتحدة من النفط القادمة إلى خليج المكسيك، علما بأن هناك موانئ أخرى في شمال الخليج لم تتأثر بالاعصار، الأمر الذي يعني أن التأخير لايشمل كل الواردات. وتشير البيانات إلى أن 60 في المائة من إجمالي واردات منطقة خليج المكسيك من دول أوبك، وأن 40% من إجمالي الواردات من دول الخليج.

الشكل البياني رقم (1)

واردات الولايات المتحدة من النفط القادمة إلى خليج المكسيك

(ملايين البراميل يوميا)

 

2- صادرات النفط ومنتجاته الأمريكية: نظرا لتوقف عمليات الملاحة في قناة هيوستن المائية وفي خليج المكسيك، فإنه تم ايقاف بعض صادرات النفط ومنتجات النفط الأمريكية. وتصدر الولايات المتحدة حوالي 4,7 مليون برميل يوميا من خليج المكسيك، منها حوالي 900 ألف برميل من النفط الخام، والباقي سوائل غازية ومنتجات نفطية، كما هو موضح في الشكل البياني رقم (2).  ولهذا التوقف أثار إيجابية وسلبية على أسعار النفط العالمية. فالآثار الإيجابية تتمثل في نقص الإمدادات في الدول التي كان من المفروض أن تستلم هذه الشحنات في وقت محدد، الأمر الذي يعني أن إعصار هارفي سيرفع أسعار النفط العالمية. إلا أن الجانب السلبي هو أن بقاء هذه الكميات في الولايات المتحدة، يعني عدم تصريف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع مستويات المخزون، والتي قد تؤدي بدورها إلى تخفيض أسعار النفط في الولايات المتحدة.  ويجب أن ننتبه إلى أن كمية الواردات من النفط الخام التي أخرّها اعصار “هارفي” أكثر من ضعف كميات الصادرات. هذا يعني أن صافي الأثر سيكون ايجابيا بالنسبة للأسعار.  وتوقُف صادرات السوائل الغازية والمنتجات النفطية، بما في ذلك البنزين، يعني انخفاض مخزون هذه المواد في الدول المستوردة، وهذا أمر إيجابي بالنسبة لأسعار النفط.

الشكل البياني رقم (2)

صادرات الولايات المتحدة من النفط من خليج المكسيك

(ملايين البراميل يوميا)

 

3- الإنتاج في خليج المكسيك: أوقف “هارفي” عمليات الحفر والإنتاج في بعض مناطق خليج المكسيك الواقعة في طريق الإعصار، خاصة في المياه العميقة حيث تم سحب العمال من أكثر من 100 منصة انتاج وخمسة منصات حفر. وتقدر كميات الإنتاج المخفضة بحوالي 420 ألف برميل يوميا، يوم أمس، ولكن بدأ تشغيل بعض المنصات خفضها قليلا اليوم. أما تأخير عمليات الحفر فإن أثره سيكون في المديين المتوسط والبعيد بسبب تأخر الإنتاج عن الموعد المخطط له.  وبفرض عدم وجود أي دمار لمنصات الإنتاج والحفر، فإنه يمكن العودة إلى الإنتاج والحفر خلال أيام قليلة من انتهاء الاعصار.  المشكلة الأساسية هنا أن هناك صعوبة كبيرة في تجميع فريق العمل لأن عددا من الطرقات مغلقة، أغلبها بسبب الفيضان، وبالتالي يصعب وصول العمال إلى نقطة تجمعهم ونقلهم بالهليكوبتر إلى المنصات. كما أن هناك احتمال تأثر بيوت بعض العمال بالإعصار، وبالتالي فإنهم لن يتمكنوا من العودة مباشرة للعمل.

الشكل البياني رقم (3)

إنتاج النفط في خليج المكسيك

(مليون برميل يوميا)

4- الإنتاج في حقل “إيغل فورد”: أوقف “هارفي” عمليات الحفر والإنتاج في حقل إيغل فورد الصخري في جنوب تكساس الذي ينتج حوالي 1,38 مليون برميل يوميا. وتقدر الكميات التي تم إيقاف إنتاجها بحوالي 300 ألف إلى 700 ألف برميل يوميا.  ويعود هذا الفرق الكبير في التقدير إلى ضحالة المعلومات في ظل التهديد المستمر للإعصار. ولعل أكبر تهديد لعمليات الإنتاج هو الفيضان حاليا.  وبفرض عدم وجود أي دمار للمنشآت فإنه يمكن العودة للإنتاج خلال بضع أيام.  وكما حصل في خليج المكسيك فإنه تم ايقاف بعض عمليات الحفر، الأمر الذي يعني تأخر الإنتاج عما كان مخططاُ له. الغريب في الأمر أن حقل ايغل فورد في جنوب الولايات المتحدة بالقرب من مدينة سان أنتونيو وبينه وبين خليج المكسيك مساحة شاسعة ويقع في منطقة صحراوية، وهذا يوضح مدى قوة هذا الإعصار.

الشكل البياني رقم (4)

إنتاج النفط في حقل إيغل فورد

(مليون برميل يوميا)

المصدر : إدارة معلومات الطاقة الأمريكية 2017

 

5- عمليات النقل والإمدادات: أغلب عمليات النقل والإمدادات توقفت، وهذا يشمل نقل النفط والمنتجات بين المصافي، نقل العمال، ونقل أي مواد تحتاجها صناعة النفط، وكل الصناعات والخدمات المساندة. وهذا يؤثر سلبا على صناعة النفط في المنطقة، حتى بعد انتهاء الاعصار. وقد نتج عن توقف قناة هيوستن المائية توقف الملاحة بالكامل فيها، الأمر الذي أجبر المصافي التي لم تتوقف بسبب الإعصار على تخفيض عملياتها بسبب عدم القدرة على التخلص من المنتجات.

ب- الأثر في الطلب

 توقف المصافي أو تخفيض إنتاجها: توقفت العديد من المصافي في المنطقة تفاديا لحدوث حرائق أو إصابات، ثم توقف المزيد منها اليوم الأحد بسبب الفيضان. وبلغت الطاقة الاستيعابية التي تم إغلاقها حوالي 900 ألف برميل يوميا قبل الفيضان، ثم ارتفعت إلى أكثر من مليون ونصف مليون برميل يوميا أثناء الفيضان. هذا يعني تخفيض في الطلب على النفط الخام بتلك الكمية. ونظرا لأن المصافي استعدت قبل وصول الإعصار، ولم تغلق بشكل عشوائي، فإن عودتها للعمل ستكون سريعة وسهلة، إلا في حالة حصول دمار في هذه المنشآت، وهو أمر متوقع الآن بعد اغلاق بعضها بسبب الفيضان.  ولعل أكبر التهديدات في الوقت الحالي هي انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، واستمرار الفيضان.  وعلى الرغم من أن هذه المصافي مبنية بشكل يجعلها تتحول الأعاصير والأمطار، إلا أن الفيضان الكبير، مثل مايحصل حاليا في منطقة هيوستن، قد يسبب مشاكل كثيرة يؤخر في عودة هذه المصافي للعمل.  إن أي تأخير في عمل هذه المصافي يعد سلبيا بالنسبة لأسعار النفط لأنها لن تستقبل النفط المنتج أو المستورد، وسيتراكم في المخزون. لهذا فإنه من مصلحة دول أوبك أن تعود هذه المصافي للعمل في أسرع وقت ممكن. وكما ذكر سابقا فإنه بسبب اغلاق الطرق والممرات المائية، خاصة قناة هيوستن المائية، فإن المصافي التي لم تتوقف عملياتها اضطرت إلى تخفيض مستوى التشغيل لأنها لم تستطع تصريف منتجاتها.  ورغم أن توقف المصافي أو تخفيض مستوى التشغيل يعد سلبيا بالنسبة للأسواق النفطية، إلا أن له جانب إيجابي وهو تخفيض مستوى مخزون المنتجات النفطية، خاصة مستوى مخزون البنزين الذي مازال في مستويات عالية. إلا أنه يجب توخي الحذر عند الحديث عن انخفاض مخزون المنتجات النفطية بسبب النقطة التالية أدناه.

انقطاع الطرق وتوقف المواصلات البرية والبحرية والجوية: هذا يعني انخفاض الطلب على كافة أنواع الوقود المستخدمة في وسائل المواصلات هذه. ولن نعرف كمية الانخفاض إلا بعد ثلاثة شهر على الأقل من الآن. من وجهة نظر أوبك، الأمل أن يكون اثر انخفاض الطلب على المنتجات النفطية بسبب الإعصار ضعيفا. إلا أنه يمكن القول أن حصول أي دمار في المصافي يعني بالضرورة انخفاض مخزون المنتجات النفطية لأن اصلاحها يستغرق وقت أطول من عودة كافة أنواع المواصلات إلى طبيعتها.

توقف العجلة الاقتصادية في المنطقة: تعد منطقة هيوستن من أنشط المناطق اقتصاديا في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر في نموها، والذي سيؤثر في سلبا في الطلب على النفط. إلا أن الجانب الجيد أن إعادة الإعمار ترفع معدلات النمو، وبالتالي ترفع معدلات نمو الطلب على النفط. وأود أن أنوه هنا أن الأمر لايقتصر على الاستهلاك المباشر للمصانع والمنشآت البتروكيماوية وغيرها للنفط، وانما كافة المواد المستخدمة والمستوردة والتي يدخل النفط فيها.

الخلاصة

الأثر النهائي لإعصار “هارفي” في أسواق النفط هو حصيلة قوى متضاربة تتمثل في العوامل المُخفّضة للامدادات من جهة، والعوامل المُخفّضة للطلب من جهة أخرى.  بشكل عام فإنه حسب البيانات المتوافرة فإن الانخفاض في إنتاج النفط الأمريكي يساوي تقريبا الطاقة الانتاجية للمصافي التي تم إيقافها، وبالتالي يمكن القول، وبشكل عام، أن أثر انخفاض العرض يلغي أثر انخفاض الطلب. إلا أن توالي الأخبار باغلاق المزيد من المصافي بسبب الفيضان يجعل الرؤية أكثر ضبابية.

أما العوامل الأخرى المتعلقة بانخفاض طلب قطاع المواصلات وانخفاض النمو الاقتصادي، فإنه يتوقع أن تنقلب عكسا بعد انتهاء الإعصار وإعادة الاعمار. ولكن إذا نظرنا إلى الصورة الأكبر فإن تأخر الواردات سيكون له الأثر الأكبر بسبب كميتها العالية نسبيا، وبالتالي فإنه يتوقع أن يكون الأثر النهائي انخفاض في المخزون في البداية، ثم ارتفاعه في الأسبوع الذي يليه.

السيناريو السابق يفترض عدم وجود أي دمار في أي من المنشأت النفطية أو الموانيء.  إن أي دمار لمنصات الإنتاج أو الحفر يعد ايجابيا بالنسبة لأسعار النفط حاليا، ولكن في الوقت نفسه أي دمار للمصافي يعد سلبيا. ونظرا لضحالة المعلومات حاليا فإنه من الصعب الوصول إلى نتيجة حول أثر اعصار “هارفي” في أسواق النفط العالمية حتى تتضح الصورة في الأيام القادمة.

وهنا أود ان أنبه القارئ الكريم إلى أن عدم الوصول إلى نتيجة حتمية، هو نتيجة بحد ذاته.