عقدة الإصلاح

08/10/2012 0
عامر ذياب التميمي

من كان يتصور في عام 1961 عندما اجري ثاني تعداد رسمي للسكان، وبلغ عدد السكان آنذاك 265 ألف نسمة تقريبا، من بينهم 161 ألف كويتي، أن يصبح عدد السكان في عام 2011 ما يربو على 3.1 ملايين نسمة، منهم 1.1 مليون كويتي؟ أي ان عدد السكان الآن يضاهي عشرة أضعاف ما كانوا عليه عام 1961، وهو عام الاستقلال. لا شك أن تطورات مهمة قد حدثت خلال العقود الخمسة الماضية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. كما أن المستويات التعليمية والصحية تغيرت بشكل ملحوظ. يضاف إلى ذلك أن الإمكانات المالية تحسنت بقدر كبير بفعل ارتفاع أسعار النفط. وبعد أن كانت قيمة الميزانية العامة للدولة بحدود 200 مليون دينار أصبحت الآن 20 مليار دينار، أي 100 ضعف ما كانت عليه. ومن المناسب التذكير بأن البنك الدولي للإنشاء والتعمير قد أجرى دراسة حول الاقتصاد الكويتي في ذلك العام، وأصدر توصيات تؤكد على أهمية ترشيد الإنفاق وتحسين مخصصات الإنفاق الرأسمالي وتحفيز القطاع الخاص، أي ما يشبه التوصيات التي صدرت عن الدراسات الاقتصادية التي اجريت خلال السنوات الأخيرة. إذاً، هل من حقنا أن نتساءل عن الأسباب الكامنة والتي حالت طوال هذه السنوات والعقود دون تنفيذ تلك التوصيات الموضوعية والرشيدة، والتي كان يمكن أن تضع الاقتصاد على المسار الصحيح؟

لا بد أن ارتفاع عدد السكان وتزايد أعداد المواطنين قد زادا من أعباء الدولة، خصوصا وهي تتبنى فلسفة الرعاية والتحملات الاجتماعية. لكن ألم تكن هناك إمكانات لتطوير قدرات المواطنين مهنياً بفعل نظام تعليمي جاد بما يعزز من دورهم في العمل الاقتصادي في البلاد ويخفض الحاجة للوافدين؟ ثم لماذا لم نعزز الاعتماد على الذات بين المواطنين بحيث تنخفض متطلبات الخدمات الشخصية والمنزلية؟ وعندما يتبين بأن عدد العمالة المنزلية في البلاد قد تجاوز الستمائة ألف فإن ثمة خللاً بنيوياً في منظومة القيم الاجتماعية يتطلب معالجات نوعية واعتماد سياسات حكومية مختلفة. كذلك، فإن اعتماد القطاع الخاص على عمالة وافدة ورخيصة في مختلف أعماله وأنشطته تزيد على 1.1 مليون عامل، في حين لا يوظف سوى 65 ألف كويتي يعني أهمية إصلاح سوق العمل.. لكن هل يمكن تحقيق ذلك من دون إصلاح اقتصادي بنيوي يزيد من حصة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وينقل الأعمال العديدة والأساسية من حيز الحكومة إلى حيز القطاع الخاص؟ لم تعد المسألة قابلة للتسويف، فقد أصبحت عملية التنمية البشرية أهم التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع السياسي بشكل واضح. لدينا الإمكانات المالية المناسبة والتي تمكننا من تحسين القدرة على الإصلاح وتطوير المرافق والبنية التحتية والخدمات، ولكن الأهم من ذلك كيف يمكن أن نوظف مواردنا البشرية المتزايدة على اسس اقتصادية متطورة بما يحسن من الكفاءة والارتقاء بالمهارات المهنية؟ الآن ونحن مقبلون على استحقاقات انتخابية هل يملك السياسيون الجرأة على طرح تصورات إصلاحية مقنعة؟