الإمكانات المتوافرة لإصلاح الاقتصاد المصري

07/06/2018 2
عامر ذياب التميمي

يثير عدد من الاقتصاديين مسألة إمكانات إصلاح الاقتصاد المصري. والتساؤل ناجم عن المصاعب التي تواجه الإدارة الاقتصادية هناك، وقدرتها على مواجهة ميراث الاقتصاد الشمولي الذي اعتمد منذ أواسط خمسينات القرن الماضي. إذ اعتمدت قيادة ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 نهجاً اقتصادياً معادياً للسوق الحرة، وبدأت بتأميم المؤسسات المملوكة من الأجانب ومنها بنوك وشركات صناعية وخدمية، كما قامت من خلال قانون الإصلاح الزراعي بتفتيت الأراضي الزراعية وتوزيع مساحات محددة على الفلاحين. ثم أتى بعد اعتماد الميثاق في عام 1962 تأميم مختلف المؤسسات الاقتصادية الرئيسية المملوكة من القطاع الخاص. وعندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات إنجاز تحول باتجاه اقتصادات السوق وجرى إقرار القانون 43 لعام 1974 والذي حدد شروط الاستثمار الأجنبي في مصر، لم يكن يعلم أن هناك ثقافة تكرست في البلد وهي لن تجعل من عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية أمراً يسيراً. وكان من أهم المعوقات التي واجهت تحرير الاقتصاد المصري، البيروقراطية التي انتفعت من هيمنة الدولة على الاقتصاد وكذلك غياب رجال الأعمال ورؤوس أموالهم التي جرت مصادرها من السلطات الحكومية أو أن جزءاً جرى تهريبه إلى الخارج. وأهم من ذلك هو فقدان ثقة رجال الأعمال في عملية الإصلاح التي تديرها بيروقراطية معادية للانفتاح.


مضت عقود طويلة منذ اعتماد ذلك القانون ولا تزال مصر متعثرة في أدائها. وخلال تلك السنوات حاول البنك الدولي وصندوق النقد أن يساهما في عملية الإصلاح إلا أن النتائج لم تكن متوافقة مع الأهداف الكبيرة، فقد تصدت الجهات الحكومية لتوصيات دولية في شأن تعويم سعر الصرف للجنيه المصري وتعديل قوانين التوظيف في الأجهزة الحكومية وإعادة النظر في مخصصات الدعم، سواء كان دعم الوقود أو الدعم السلعي. ولذلك ظل سعر صرف الجنيه محدداً دون أدنى أعتبار لمعطيات السوق بما جعل إمكانات الحصول على عملات أجنبية لمواجهة متطلبات الشركات من أجل دفع التزاماتها الأجنبية صعبة المنال. كما أن الكثير من الشركات الأجنبية التي وظفت أموالاً في مصر، واجهت صعوبات في تحويل حصيلتها من أرباح أعمالها المتنوعة، مثل المؤسسات السياحية أو الخدمية أو الصناعات التحويلية أو المصارف. واستمرت هذه المشكلات المتعلقة بسعر صرف الجنيه حتى أواخر عام 2016 عندما تقرر تعويم سعر الجني، ما سهل على صندوق النقد الدولي مد مصر بتسهيلات ائتمانية بقيمة 12 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات، كما تعززت ثقة المستثمرين الأجانب في عزيمة الحكومة لإنجاز إصلاح بنيوي حقيقي. ولا شك أن الإصلاح لم يقتصر على سعر صرف الجنيه وتقويمه ولكن أيضا، تقرر العمل على معالجة الاختلالات البنيوية في الإنفاق الجاري الحكومي وترشيد مخصصات الدعم المتنوعة.

هناك مؤشرات تبين أن الاحتياط النقدي بلغ خلال أيار (مايو) الماضي منحو 44 بليون دولار. ومن أهم عوامل ارتفاع هذا الاحتياط توافر قروض من صندوق النقد وعدد آخر من المؤسسات الدولية والبنوك، وكذلك ارتفاع حصيلة تحويلات العاملين في الخارج، ناهيك عن تحسن إيرادات السياحة خلال الشهور الماضية. لكن يقابل ذلك ارتفاع المديونية الخارجية إلى نحو 100 بليون دولار وفقاً لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، في حين زادت الديون الإجمالية، الداخلية والخارجية، إلى ما يقارب 220 بليون دولار. لذلك فإن خدمة الدَين ستمثل نسبة مهمة من قيمة الموازنة الحكومية خلال السنوات المقبلة. وعلى الإدارة الاقتصادية في مصر العمل على تعزيز الإيرادات من مصادر عدة مثل السياحة وقناة السويس والصادرات السلعية. كما أن زيادة إيرادات الخزينة العامة لابد أن تتحسن بفعل رفع فعالية جبي الضرائب والرسوم المتنوعة.

تشير التوجهات الاقتصادية للإدارة السياسية في مصر إلى إمكانات جيدة لإنعاش الحياة الاقتصادية وتحمل الأعباء. ولكن ذلك يتطلب التعامل مع الثقافة السائدة في البلد والتي تفسد عملية الإصلاح من خلال مظاهر الفساد الإداري والسياسي وعدم الكفاءة في الأداء. ولا شك أن عزيمة القيادة السياسية على التعامل مع هذه التحديات يمكن أن تبعث الأمل.

نقلا عن الحياة