مبررات المطالبة بإعادة النظر في العلاقة الثابتة مع الدولار؟

09/10/2011 4
بشير يوسف الكحلوت

لا أستطيع أن أفصل بين الكاتب وفكرته، كما طالب بذلك الأستاذ فادي العجاجي المستشار بمؤسسة النقد السعودي في نهاية تصريحاته لجريدة الرياض يوم 4 سبتمبر والتي دافع فيها عن سياسة ربط الريال بالدولار. فطبيعة عمله بمؤسسة النقد السعودي لا بد أن تؤثر على ما يقول. ورغم صفته كمستشار اقتصادي إلا أن دفاعه عن الربط لم يكن مقنعاً بالقدر الكافي. وقد بدأ تصريحاته بالقول بعدم وجود سند سياسي للربط، وهو في ذلك قد جافى الحقيقة ، لأن الربط جاء ومازال قائماً بقرار سياسي، مثلما أن التحول عنه لن يتم إلا بقرار سياسي.

لقد كنت في وقت سابق قبل ثلاثة أعوام من المؤيدين لاستمرار ربط العملات الخليجية بالدولار باعتبار أن ذلك كان منسجماً مع خطط إصدار العملة الخليجية الموحدة التي استلزمت في أولى مراحلها هكذا تثبيت، كما أن معطيات الدولار إلى ما قبل الأزمة المالية العالمية كانت تدعم استمرار الربط بالدولار لاعتبارات منها قوة الاقتصاد الأمريكي وعدم وجود عملات بديلة يمكن أن تحل مكانه أو تنتقص من مكانته كعملة عالمية. ولكن الجمود الظاهر بالنسبة للعملة الخليجية الموحدة بعد خروج الإمارات وعمان من المشروع، وتفاقم المديونية الأمريكية إلى أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في سنة، مع عدم وجود أفق لحل المشكلة في ظل تنامي العجز السنوي للميزانية العامة، قد غير المعطيات، وبات من غير المنطقي التشبث بعلاقة أبدية منفردة مع الدولار.

ولنتذكر أن عملات الخليج كانت يوماً ما مرتبطة بالاسترليني حتى عام 1971 عندما كانت الإمراطورية البريطانية لا تغيب عنها الشمس، وكانت مرتبطة بالذهب عندما كان سعره مستقراً وثابتاً، فلما انهار اتفاق بريتون آند وودز تم الربط لسنوات بوحدات حقوق السحب الخاصة التي يرعاها صندوق النقد الدولي، ولما تبين للدول الخليجية في النصف الثاني من السبعينيات أن هكذا ربط يستلزم المداومة على تعديل أسعار عملاتها كلما خرجت قيمتها عن الهامش المعتمد قررت في أوقات مختلفة ربطها بالدولار عند سعر ثابت ، وقررت عُمان والسعودية في وقت لاحق في التسعينيات خفض أسعار عملتيهما لمرة واحدة مقابل الدولار.

واستناداً لما سبق فإن الربط بالدولار عند سعر ثابت ليس ضرورة لا يمكن التخلي عنها أو تعديلها على الأقل إذا ما بات مستقبل الدولار في خطر، صحيح أن أوضاع اليابان وأوروبا الاقتصادية ليست بأفضل حالاً من الاقتصاد الإمريكي، بما يحول جزئياً دون تدهور سعر صرف الدولار أمام اليورور والين بشكل عاجل ومؤثر، ولكن لا ننسى أن المشهد الدولي يتغير بقوة على أكثر من محور، فالقوى الاقتصادية الكبرى في العالم أصبحت عشرين لا سبعة، وتزايدت القوى المالية والاقتصادية لدول كالصين والهند والبرازيل وكوريا ودول الخليج بما قد يعجل بإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية العالمية بحيث يكون لهذه الدول نفوذ أكبر في المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي. والتذبذب الكبير في أسعار الذهب والنفط، والسلع الرئيسية مؤشر على أن أداة التسعير لهذه السلع وهي الدولار قد اختلت وأصبحت غير صالحة لأداء وظيفتها خاصة عندما يكون الارتفاع في الأسعار مخالف لقوانين العرض والطلب على تلك السلع. وأسعار النفط ترتفع رغم تزايد الاحتمالات بشأن اتجاه الاقتصاد العالمي لركود جديد، ورغم قرب عودة النفط الليبي للأسواق. وارتفاع أسعار الذهب ناتج بدرجة كبيرة عن إنهيار الثقة في الدولار وعدم وجود بديل استثماري آمن بعد تدهور معدلات الفائدة على الودائع وتراجع الثقة في سندات الخزانة الأمريكية. وهذه الأوضاع في مجملها لا يمكن أن تستمر على هذا النحو بدون معالجة، وسنصل يوماً إلى نقطة قد يضطر فيها عواجيز الاقتصاد العالمي إلى التخلي عن المزيد من صلاحياتهم لقوى جديدة ناشئة لديها من المال والقوة الاقتصادية ما يمنحها التفويض اللازم لرسم علاقات مالية دولية مختلفة.

إن من لا يقرأ أرقام التراجعات الأمريكية والأوروبية، ومن لا يستشعر دلالة خفض التصنيف السيادي الأمريكي والياباني والإيطالي واليوناني والأسباني ، ومن لا يقرأ تنامي قوة الصين وتبؤها المركز الثاني عالمياً اقتصادياً ، سوف يكتشف يوماً أنه تأخر في فهم ما جرى من تحولات دراماتيكية في المشهد الاقتصادي العالمي. وحتى ينضج فهم العالم للبديل القادم بدل الدولار المتفرد، لا نقول بإسقاط الدولار، وإنما في إعطائه ما يستحقه من وزن في سلة عملات يدخلها اليوان الصيني وعملات جديدة أخرى.

وثمة مبرر آخر لا يمكن لرفض الربط الكامل للعملات الخليجية بالدولار، وهو أن التعويض الذي تحصل عليه الحكومات المنتجة من ارتفاع سعر النفط، لا يحصل عليه القطاع الخاص والأفراد الذين تتدهور القوة الشرائية لمدخراتهم وعائداتهم كلما انخفض سعر الدولار أو قيمته المقومة بالسلع. ولا تصلح مؤشرات التضخم المعتادة كالرقم القياسي لأسعار المستهلك في قياس تلك الآثار التي قد لا تصيب جميع القطاعات أو الأفراد بنفس الدرجة.

وتظل نقطة أخيرة قد تحتاج إلى مقال آخر وهي التأكيد على أن أي مقياس يفقد أهميته العملية عندما تضطرب قيمته بشكل كبير، وقد حذر الله تعالى في سورة المطففين من خطورة التلاعب في المكاييل والموازين لما يشيعه ذلك من ظلم بين الناس فيأكل هذا حق ذاك ، وينتشر الفساد في الأرض.

ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله أسمى وأعلم.