التأثيرات المحتملة لخفض معدلات الفائدة على القروض

17/04/2011 1
بشير يوسف الكحلوت

صدرت عن مصرف قطر المركزي مؤخراً قرارات مهمة لتعديل سياسته النقدية وبعضاً من سياساته المصرفية لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية، وفي مقدمة هذه الأهداف تنشيط السوق المصرفي وإنعاش النشاط الائتماني للقطاع الخاص حتى يتمكن من الاضطلاع بالدور المنوط به في خدمة الاقتصاد الوطني. وكان المصرف المركزي قد بادر قبل أسبوعين إلى خفض معدلات الفائدة الرئيسية لديه بواقع نصف نقطة مئوية بما في ذلك فائدة الإيداع التي انخفضت إلى واحد بالمائة، ثم فائدة الإقراض ونظيرتها فائدة الريبو اللتين تم تخفيضهما إلى 5%. ثم أتبع المركزي ذلك في الأسبوع الماضي بقرار إعادة رسم ضوابط القروض الاستهلاكية بضمان الراتب بما يضع سقفاً أعلى لفائدة الإقراض من البنوك للجمهور عند مستوى 6.5% في الوقت الحاضر.

وقد اختلفت الآراء في تقييم التأثيرات المحتملة للقرارات الصادرة، حيث ذهب فريق من المحللين إلى رصد تأثيرها السلبي المحتمل على أرباح البنوك بوجه عام والتقليدية منها بوجه خاص، من حيث أنها ستؤدي إلى تقليص هامش الربح للبنوك بشكل ملحوظ. وفي المقابل رأى فريق آخر أن هامش الربح المرتفع الذي تمتعت به البنوك حتى الآن قد كلف جمهور المقترضين والمتمولين أثماناً باهظاً، وأوقع بعضهم في مصيدة قروض غير منتهية، وأنه قد آن الأوان لتصحيح العلاقة بين الطرفين حفاظاً على المصالح المتبادلة بينهما، بعد أن تقلصت قدرة الأفراد على الاقتراض من البنوك إلى الحد الذي بات فيه ثلاثة أرباع القطريين مقترضون، وفقاً لدراسة أعدها المجلس الأعلى للأسرة في عام 2009.

ومع إنشاء مركز قطر للمعلومات الائتمانية وتدشينه للعمل في الشهر الماضي، فإن مهمة البنوك في توسيع نشاطها مع الأفراد قد بدت مهمة صعبة لعزوف الكثير منهم عن البحث عن قروض جديدة في ظل معدلات فائدة مرتفعة من ناحية، ولأن المعلومات القادمة من مركز المعلومات الائتمانية سوف تمنع البنوك من الموافقة على الكثير من الطلبات المقدمة لها من مقترضين تجاوزا السقوف التي حددتها تعليمات مصرف قطر المركزي.

ومن هنا كان لا بد من إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الوضع ولإزالة الاختناقات التي تعرقل عملية التنشيط المطلوبة، فكان أن أصدر المركزي تلك القرارات الهامة التي ستعمل على تصحيح أوضاع غير طبيعية. وأهم هذه القرارات على الإطلاق هو الشق الخاص بوضع سقف أعلى لفائدة الإقراض من البنوك في حدود 6.5%، وأن يسري هذا القرار على المقترضين القدامى والجدد على حد سواء.

الجدير بالذكر أن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص قد نما في عام 2010 بشكل محدود مقارنة بما كان يحدث في أعوام الطفرة، ولم يكن ذلك بسبب تراجع القروض الاستهلاكية للأفراد، وإنما لتراجع الائتمان المقدم للشركات أيضاً. وتشير بيانات مصرف قطر الإسلامي التي صدرت مؤخراً إلى أن تمويلات المصرف قد نمت ما بين الربع الأول من العام الحالي والربع المناظر من العام السابق بنسبة 3% فقط في حين أن استثماراته تضاعفت في نفس الفترة عدة مرات مما يشير إلى إدراك المصرف لحقيقة المأزق الذي تواجهه البنوك المحلية في مجال التمويل والإقراض للقطاع الخاص. ويحضرني في هذا الأمر أيضاً قصة رواها السيد غانم آل سعد رئيس مجلس إدارة بروة السابق لاجتماع الجمعية العمومية للشركة قبل أسبوعين، حيث قال إن بروة أعادت هيكلة ديونها باستبدال قروض خارجية بالدولار بفائدة منخفضة لا تزيد عن 3% مقابل قروض كانت قائمة من بنوك محلية بالريال بفائدة تصل إلى 9.5% سنوياً. وهذا الاتجاه في التحول من قروض محلية إلى قروض خارجية-في صورة إصدار سندات بالدولار- قد قامت به شركات ومؤسسات أخرى من بينها كيوتيل والمتحدة والديار، كما أن بنوكاً محلية مثل التجاري والدوحة والمصرف قد اتجهت إلى سوق السندات للحصول على قروض منخفضة التكلفة. وسوف يزداد هذه الاتجاه في الشهور القادمة بعد أن تستكمل بورصة قطر استعداداتها لإضافة السندات والصكوك إلى خدمات التداول فيها. هذه التحولات المرتقبة ستضعف من فرص التمويل المتاحة للبنوك، وسيؤثر ذلك حتماً على نتائج أعمالها في عام 2011.

والخلاصة أن قرار المركزي الأخير بتخفيض معدلات الفائدة يصب في مصلحة البنوك المحلية في الأجل المتوسط والطويل، وإن بدا في ظاهره غير ذلك في الأجل القصير؛ فأن تنخفض أرباح البنوك إلى المستويات السائدة عالمياً أو قريباً منها هذا العام خير لها ألف مرة من أن ينفض زبائنها من الشركات إلى بدائل أخرى، أو أن يصبح الأفراد منهم غير راغبين أو قادرين على الاقتراض. ويعمل قرار المركزي الجديد بذلك على تصحيح الخلل الذي ساد لسنوات في توزيع الدخول بين المشاركين في العمليات الإنتاجية. فاحتكار البنوك لعملية الإقراض في المجتمع قد مكنها من فرض معدلات فائدة مرتفعة جنت منها أرباحاً عالية. وفي زمن الازدهار والنمو السريع للاقتصاد لم يكن ذلك أمراً مستنكراً. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية فتأثر القطاع الخاص والأفراد من خسائرهم في العقارات وفي الأسهم ومن تراجع النشاط بوجه عام، وبات ارتفاع معدلات الفائدة على القروض أمراً مكلفاَ ومقلقاً وغير مقبول.

ومع بداية عام 2011 كان لا بد من إعادة تشكيل الأوضاع المصرفية على النحو الصحيح في ظل استحقاقات بدت قريبة جداً بل وآن أوانها، فتسارعت القرارات على نحو غير مسبوق بما في ذلك إلغاء الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية، وخفض أسعار الفائدة لدى المركزي، وإعادة النظر في تعليمات القروض الاستهلاكية للأفراد بضمان الراتب. وإذا كانت أرباح البنوك ستتأثر سلباً بخفض معدلات فائدة الإقراض فإن ذلك الأثر سينتقل حتماً إلى أسعار أسهم البنوك في البورصة فتنخفض.

وأحسب على ضوء هذا التحليل أنه قد يكون لدى المصرف المركزي المزيد من القرارات في الأسابيع القادمة من أجل تصحيح الأوضاع استباقا لاستحقاقات قادمة. ويظل ما كتبت أعلاه رأي شخصي يستند إلى تحليل الوقائع فقط، وهو مع ذلك رأي يحتمل الصواب والخطأ، والله جل جلاله وأعلم.