الرؤيـة الأولى للاقتصاد السعودي

17/12/2025 2
د.صالح السلطان

أنعم الله سبحانه على بلادنا بأن تم تجميع وإعادة توحيد حديث للبلاد بقيادة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قبل 100 عام تقريبا. وبعدها في العقدين السادس والسابع من القرن الهجري الماضي مرت البلاد بتغيرات وتطورات اقتصادية كبيرة لنا أن نعدها الرؤية الأولى.

كان اقتصاد البلاد قبل هذا الوقت شديد التخلف، واتسمت حياة الناس بالفقر الشديد وقصر العمر وغلبة ساحقة للأمية بين السكان.  كانت الزراعة والصناعات الحرفية بدائية جدا وتمارس في المناطق الحضرية وفي الواحات الداخلية والبلدات والقرى. ولم تكن هناك مدارس ولا حرفيون مهرة.  لكن كان الوضع أحسن نسبيا في مكة المكرمة، حيث تمحورت الحياة الاقتصادية فيها حول الحج أولا ثم العمرة ثانيا.

زاد ضعف البلاد الاقتصادي مع الكساد الاقتصادي العالمي الكبير، الذي بدأ في 1929، واستمر نحو 10 سنوات. مثلا، في سنة من السنوات الأولى من الكساد، انخفض عدد الحجاج إلى النصف تقريبا. وتبعا انخفضت عائدات الحج إلى النصف تقريبا. في تلك السنوات، كانت صادرات السعودية بسيطة تقدر بنحو 200,000 دولار أمريكي سنوياً، وتركزت في الجلود واللؤلؤ والصمغ.

في المقابل، قُدرت الواردات السنوية بنحو 10 ملايين دولار. وأغلبها أطعمة لا تزرع في البلاد كالأرز والشاي. أما المنتجات المصنعة فكانت شبه معدومة، ثم بدأت بالدخول في البلاد، بمستويات وكميات بسيطة جدا. وتركز تمويل الاستيراد وسداد العجز التجاري من أموال الحجاج والمعتمرين.

معروف حصول تطورات صناعية في الغرب قبل القرن العشرين. وبدأت أولى آثار هذه التطورات تصل إلى بلدان العرب خارج شبه الجزيرة مطلع القرن الهجري الماضي الموافق أواخر القرن التاسع عشر. ولذا فإن هذه البلدان سبقت بلدان شبه الجزيرة العربية في التطورات الحديثة. مثلا، قامت في مصر جامعات في وقت لم تكن فيه حتى مدرسة ابتدائية في السعودية.

أنعم الله على الملك عبدالعزيز بأن استفاد من تلك التطورات في البلدان العربية. تم القيام بتطوير على نطاق واسع في أواسط القرن الهجري الماضي الموافق أواسط الثلث الأول من القرن العشرين. مثلا تم وقتها إنشاء أكثر من 100 قرية زراعية. وقد زار الملك عبدالعزيز مصر زيارة تاريخية في مطلع 1365 الموافق مطلع 1946. عاد الملك حاملا أفكارا تطويرية كبيرة.

ومن جانب آخر، كان لشركة أرامكو وحصول تعاون فني مع الحكومة الأمريكية مساهمات تطويريه في قطاعات وخاصة النقل، تحت قيادة وإشراف ومتابعة من الملك عبدالعزيز ورجاله. وربما كان أشهر مثال إنشاء خط سكة الحديد بين الدمام والرياض بين الأعوام 1366 و1370، أي في النصف الثاني من العقد السابع من القرن الهجري الماضي.

من القطاعات التي شهدت تطورا ملحوظا مقارنة بالوضع قبل ذلك النقل والاتصالات. كانت الإبل هي أكثر وسائل النقل استخدامًا في السعودية قبل إعادة التوحيد. الاستثناء سكة حديد دمشق - المدينة المنورة، التي بناها العثمانيون قبل الحرب العالمية الأولى بسنوات قليلة، لكنها دمرت خلال الحرب.

شيد الملك عبدالعزيز أول طريق معبد في السعودية في أواسط القرن الهجري الماضي، أواخر عشرينيات القرن العشرين. وقد اتبع مسار الحج القائم بين جدة ومكة المكرمة وقلل مدة السفر من يومين إلى ساعتين. ولم تكن السيارات موجودة في السعودية قبل الملك عبدالعزيز.

أول سيارة استوردها الملك في 1926 من أجل تسهيل تنقلاته في جميع أنحاء البلاد للإدارة. ثم حصل استيراد نحو 300 سيارة سنويا بعد ذلك. وأكثرها لخدمة الحجاج والحكومة. أما ملكية الأفراد فكانت شبه نادرة آنذاك.

في أوائل عشرينيات القرن العشرين، بدأ بناء شبكة هاتفية وتيليجرافية وفق التقنية البسيطة جدا المتوفرة آنذاك، لكنها كانت مفاجئة وجدا غريبة على عقول الناس، وتبعا كانت موضع سوء فهم من كثيرين.

وفق الله الملك عبدالعزيز بأن قاد برامج تحديث في البنية التحتية للبلاد. فقد أنشئت محطتان للكهرباء في مكة المكرمة. وتم إنشاء محطتي بث إذاعي. كما أدخل تحسينات كبيرة على أكثر من ميناء، وأقيمت محطات لاسلكية، وتحسينات في المرافق بشكل عام.

في 1925، سُكّت أول عملة للسعودية بتعليمات من الملك عبدالعزيز. ولم تكن البنوك معروفة في البلاد خلال فترة إعادة التوحيد. وكانت هناك خدمات مصرفية بسيطة تشبه البنوك لخدمة احتياجات الحجاج. تأسست الجمعية التجارية الهولندية، التي غيرت اسمها فيما بعد إلى البنك الهولندي في 1926 لخدمة احتياجات فئات من الحجاج. ولفترة طويلة، كان البنك الوحيد المعترف به رسمياً في السعودية.

قام الملك عبدالعزيز بأول محاولة لإنشاء بنك مركزي أواسط القرن الهجري الماضي، ثلاثينيات القرن العشرين، وظهر حق إصدار العملة وكانت مدعومة بالذهب بنسبة 100%.

باختصار وفق الله الملك عبدالعزيز بأن قاد بناء أول رؤية اقتصادية للمملكة العربية السعودية.

 

نقلا عن الاقتصادية