المزيج الأمثل للطاقة: تقني أم اقتصادي؟

05/11/2023 7
د. إبراهيم بن محمود بابللي

عندما تشرع أي دولة في صياغة مزيج الطاقة الوطني الأمثل الخاص بها فإنها تبدأ غالبا بتعريف محدداتٍ يُبنى على أساسها مزيج الطاقة المستهدف. ومن المهم معرفة أن هذه المحددات تختلف من دولة لأخرى، ومن شركة استشارية لأخرى، ومن منظمة عالمية لأخرى، بل ومن منطقة جغرافية لأخرى، ولكنها عادة تجتمع على ضرورة أن يكون المزيج مجديا اقتصاديا، وموفرا لأمن الطاقة (أو أمن إمدادات الطاقة)، ومحافظا على البيئة من أجل التنمية المستدامة. وهناك محدداتٌ أخرى ذات أهمية، منها محددات هيكلية مثل كفاءة منظومة البنية الأساسية، وحداثة واستقرار البنية التشريعية، وسياسات التسعير، ومنها تفاعلية مثل تغيير هيكل إنتاج الطاقة ونمط الاستهلاك، ولعل مزيج الطاقة الأمثل الذي يستهدفه الجميع هو الذي يجمع بين المصادر التي تؤمن الطلب على الطاقة بشكل مجدٍ اقتصاديا، بالتوازن بين الموارد المتاحة، وبين الاستدامة البيئية. وتُستخدم في ذلك نماذج رياضية مطورة سابقا، مثل نموذج 1Low Emissions Analysis Platform (LEAP) ، أو نماذج رياضية تطورها الشركات الاستشارية (أو المستشارون) للمؤسسة التي تقود مهمة صياغة المزيج. ومع أهمية اختيار النموذج الرياضي المناسب لصياغة مزيج الطاقة، إلا أن النتيجة النهائية للمزيج المقترح تعتمد بشكل كلّي تقريبا على المحددات المشار إليها أعلاه.

ومن المهم جدا معرفة الطريقة السائدة في تطوير المزيج، فنجد أن فريق العمل القائم على تطوير المزيج يكون غالبا من شركات استشارية، تعتمد في صياغة النموذج الرياضي لمزيج الطاقة على افتراضات ومُدخلات ومحددات معرّفة مسبقا، تكون مبنية على مقارنات معيارية (Benchmarks). إن هذه المحددات التي يقع عليها الاختيار بناء على المقارنات المعيارية لا تناسب كل اقتصاد وكل دولة، وبالتالي لا تلبي احتياجات التنمية في مختلف أطوار النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبشري.

لعل من أهم الأسئلة التي يجب طرحها اليوم:

أولا، هل الاستثمار في صناعة الطاقة المتجددة هو الاستثمار الأمثل لكل دولة، لاسيما تلك الغنية بمصادر أخرى، كالنفط والغاز، أم في إيجاد حل اقتصادي لمشكلة انبعاث ثاني أكسيد الكربون من مصادر الطاقة؟ وما الذي سيحدث لصناعة النفط والغاز في العالم إذا طُوّرت حلول مبتكرة ومجدية اقتصاديا لإيجاد طلب على ثاني أكسيد الكربون؟ لا شك أنه إذا تحقق هذا السيناريو فسيكون استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء ولتحلية المياه وللصناعة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة مُمَكّنا للتنمية الاقتصادية ومحافظا على الاستدامة البيئية، مثله في ذلك مثل الطاقة المتجددة، أو أفضل منها.

وثانيا، هل القيمة المضافة – اقتصاديا – من استهلاك الطاقة في القطاع الصناعي أعلى من مثيلاتها في القطاعين التجاري والسكني، أم مثلهما، أم أقل منهما؟ من المؤكد أنه إذا كان مزيج الطاقة المستهدف لا يأخذ في الاعتبار توزيع مصادر الطاقة المتاحة على القطاعات المستهلِكة بناء على القيمة المضافة اقتصاديا، فإن هذا المزيج سيوفر الطاقة التي تحتاجها القطاعات المختلفة، ولكنه قد يتسبب في هدر اقتصادي غير مبرر.

إن الهدف من هذه السلسلة من المقالات طرح أسئلة جوهرية حول هيكلية قطاع الطاقة – أي قطاع للطاقة – والخيارات الممكنة والمتاحة، بالأخذ في الاعتبار ما يتميز به قطاع الطاقة وما يختلف فيه عن غيره، ثم اقتراح عدد من الأمثلة التي تجمع بين عناصر الاقتصاد والطاقة والبيئة الملائمة للقطاع المستهدف بشكل تكاملي. ولعل أقصى طموحنا هو في أن تساعد الأفكار المطروحة في المساهمة في صياغة المزيج الأمثل اقتصاديا للطاقة.

وستغطي المقالات المقبلة عناصر مزيج الطاقة التالية:

  •  استدامة الطلب على النفط
  •  تحديات الحمل الذروي في المملكة: حلول مقترحة
  •  الحِمل الذروي وخيارات التوليد
  •  الطائرة النفاثة والمفاعل النووي
  •  العوامل الاقتصادية المؤثرة في مزيج الطاقة: العامل المنسي
  •  الهيدروجين أم ثاني أكسيد الكربون

وأسأل الله أن يكون فيما سأطرحه فائدة، وأن يلهمني الصواب في القول والعمل.

 

 

 

خاص_الفابيتا