عمل بعد التقاعد

16/01/2023 2
د.صالح السلطان

تتفاوت أهمية الحصول على عمل بين شخص وآخر من المتقاعدين. هناك من ذوي الدخل المنخفض، تقابله زيادة أعباء الحياة عليهم، وأن يساعده المجتمع للحصول على عمل خير من بقائه مسكينا، وخير من إعطائه مالا على سبيل أو بما يشبه الصدقة. وهناك أشخاص لديهم مؤهلات وخبرات من المفيد جدا للمجتمع الاستفادة منها، وبين هذين النوعين حالات وأنواع، وإذا كان الشخص المتقاعد يتمتع بتأهيل وخبرات متميزة أو مكلف تكوينها، خاصة إذا كان الاعتماد على الوافدين قويا، فالمجتمع خاسر أكثر من الشخص عند عدم الاستفادة منه. ولذا أرى أنه في حالات خاصة بناء على قواعد ومعايير موضوعية ينبغي تخيير الموظف في مد سن التقاعد. أصحاب المهارات والخبرات العالية يصبحون في قمة نضجهم الفكري في الخمسينيات والستينيات.

وغالبا يثار موضوع أي فريقين أولى بالعمل، العاطل أم المتقاعد؟ مبدئيا، العاطلون عن العمل أحق بالوظائف من المتقاعدين، لكن يجب أن نفرق. المتقاعد، وهو في أوائل الستينيات غير المتقاعد بعدها، والمتقاعد من ذوي الدخل المنخفض غير المتقاعد من ذوي الدخل فوق المنخفض. والمتقاعد من ذوي الكفاءة والخبرة غير قليل المهارات. هناك كفاءات كثيرة متقاعدة ينبغي الاستعانة بها في مجالات عدة حكومية وغير حكومية. من جهة أخرى، لدينا ملايين من الإخوة الوافدين. ولا يعني ذلك بالضرورة الاستغناء عنهم، لكن الاستفادة منهم وقفل أو تقليل نسبة زيادتهم مع مرور الأعوام.

ماذا عن الفرص؟ هل أنت أخي المتقاعد من الناس الذين يحبذون الجلوس في المنزل؟ في الأغلب يشعر المتقاعد بالملل. ابتداء ينبغي البحث عن فرصة عمل في مجال تحبه أكثر من غيره، والفرص كثيرة جدا. أمثلة فتح محل في نشاط مناسب لك وللسوق، هناك كثير من المتقاعدين، الذين لم يعد يكفيهم الراتب التقاعدي. ومن مجالات الفرص الأخرى العمل مدرسا بساعات ودوام حسب الظروف. ومن يبحث عن عمل لدى مكاتب التوظيف، أو مباشرة لدى الشركات والمؤسسات فالرأي أن يوسع من خيارات وقت وساعات العمل، حسب ما تسمح به الظروف لدى الطرفين، إذا فتحت محلا فحاول أن تعمل فيه ساعات قدر الممكن والمتاح. وحاول أن تجعل المحل يحظى بسمعة طيبة بجودة وحسن خدماته. عامل الناس معاملة حسنة. ابتسم في وجوه زبائنك. ادع الله بالتوفيق. ستجد أن عملك يتسع وستوظف من يساعدك. ليكن شعارك أريد أن أفعل شيئا بناء في الوقت المتبقي من حياتي.

وتدل الإحصاءات في دول كثيرة على تزايد عدد المتقاعدين الذين تجاوزوا الـ60 بل الـ65 الذين يفتحون شركات أعمال تجارية صغيرة، الأعمار في يد الله، لكن الإحصاءات تثبت أن الناس أصبحوا يعيشون فترة أطول، فالمتقاعدون الآن أفضل ثقافة ويعيشون حياة أطول من الأجيال التي سبقتهم وأفضل صحة منهم. ونتيجة لذلك، فإن المتقاعدين اليوم في وضع أفضل يمكنهم من ترجمة فكرة ما إلى عمل تجاري ناجح،وتساعدهم على ذلك أيضا التطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحاصلة. وقد ساعدت الحواسيب وشبكة الإنترنت على خفض التكاليف التي يتطلبها فتح عمل تجاري إلى حد كبير. ويقول كثير من أساتذة الإدارة، إن ممارسة أي نشاط تجاري كان في الماضي يتطلب استئجار مكتب وتعيين سكرتير. أما في الوقت الراهن، فكل ما تحتاج إليه هو توافر جهاز هاتف وحاسوب في منزلك، لتكون جاهزا ومتمكنا من إدارة المشروع التجاري. والعمل في المنزل آخذ بالاتساع، لأنه أقل تكلفة على الطرفين، قد تفتقر إلى مهارات تنظيمية للعمل وإدارته، وفي هذه الحالة يمكنك الالتحاق بدورة تثقيفية، أو الاعتماد على نفسك وتطوير قدراتك ذاتيا بوساطة القراءة والاطلاع، هناك اتجاه حديث يتمثل في قيام الشركات بالاستعانة بمصادر خارجية لأداء الخدمات التي كانوا يقومون بها بأنفسهم. وبعض المتقاعدين يعملون كمتعاقدين لحسابهم الخاص، حيث يقومون ببيع خدماتهم لأرباب الأعمال السابقة التي كانوا يعملون فيها.

يتفق الخبراء على أن من المرجح أن يصبح العمال من كبار السن رؤساء بأنفسهم أكثر من الجيل الأصغر سنا. وكشف تحليل قام به مركز كلية بوسطن للأشخاص الذين هم في سن الـ50 فما فوق ممن لا يزالون يمارسون نشاطهم داخل القوى العاملة، أن 17 في المائة لديهم مهن حرة "مقابل 12 من العمال الأصغر سنا"، ويشير الخبراء إلى أن عدد المتقاعدين الذين يقومون بتكوين مؤسسات تجارية خاصة بهم يبدو أنه في ازدياد مطرد. ويمتاز المتقاعدون ببعض الفوائد على رجال الأعمال الأصغر سنا. يقول أحد مستشاري العمل للمتقاعدين، "كبار السن الذين يبدأون عملا تجاريا يستفيدون من الخبرات وشبكات النفوذ التي شكلوها أثناء الخدمة." وإذا ما ظلوا في المجال نفسه الذي خدموا فيه، فإنهم يملكون أعواما طويلة من الخبرة والمعرفة وعلاقات وطيدة مع عديد من الناس الذي يمكنهم اللجوء إليهم، مثل العملاء والموردين والخبراء والمصرفيين، ويرى بعض الخبراء أن أصحاب المشاريع التجارية الحرة من كبار السن في الأغلب ما يكونون أكثر قدرة على الحصول على مزيد من الأموال للاستثمار في شركات أعمال جديدة من أصحاب المشاريع التجارية الأصغر سنا. إذ إنه توجد لديهم عادة مدخرات أو على الأقل يكون لديهم تاريخ ائتماني، عندما يطلبون تمويلا.

ينبغي تجنب المغامرات قدر المستطاع. ينبغي للمتقاعدين الذين يفكرون في بدء عمل تجاري إعطاء مزيد اهتمام عند وضع خطط العمل، وبصفة عامة، ينبغي للجهات المعنية ومراكز الخدمة والتنمية الاجتماعية والغرف التجارية، التوسع في مساعدة المتقاعدين عبر أكثر من وسيلة، ومنها توظيف مستشارين يعملون خططا، ويقدمون مشورات.

 

نقلا عن الاقتصادية