نهاية مرتبكة لـ 2022

25/12/2022 1
د. فهد الحويماني

بنهاية كل عام يتطلع المتداولون في أسواق الأسهم الأمريكية إلى انتعاش أسعار الأسهم في الأيام ما قبل يوم الميلاد، الذي يوافق 25 من الشهر، أو بعده مباشرة، ما يسمى "سانتا كلوس رالي"، أي وكأن "سانتا كلوس" آت لتقديم الهدايا للمتداولين بهذه المناسبة! وعلى الرغم من أن البيانات الإحصائية لا تشير إلى صحة ذلك، إلا أن هذا الاعتقاد له مبرراته، لوجود عوامل حقيقية مؤثرة في حركة الأسهم تتزامن مع نهاية العام.

حتى وقت كتابة هذه السطور لا يبدو هناك أي هدايا من "سانتا كلوس"، فالأسواق تواجه هبوطا عنيفا شمل جميع الأسهم، أما مصدر هذه المقولة فيعود إلى عدة عوامل منها أن بعض المستثمرين بالفعل يستغلون نهاية العام لبيع الأسهم الخاسرة في محافظهم، لتخفيف مبالغ الضرائب المستحقة عليهم، فيقومون بالبيع خلال هذا الشهر، ومن ثم قد يعودون إلى الشراء مرة أخرى، للاستفادة من التراجع الحاد في الأسعار.

السبب الآخر لارتفاع الأسهم نهاية العام، يعود إلى أجواء التفاؤل بين الناس في مواسم الأعياد والاستعداد لعام جديد، فتحدث هناك حالات شراء متفائلة، خصوصا أن البعض يقوم بالشراء استباقا لما يعرف بـ"ظاهرة يناير" التي في الأغلب ترتفع فيها الأسعار.

وهناك تفسير آخر يشير إلى أن كبار المستثمرين المحترفين والمؤسسيين في الأغلب يتمتعون بإجازة الأعياد في هذه الأيام، ويتبقى في الأسواق الأفراد الذين يميلون في الأغلب نحو الشراء، وليس البيع العادي ولا البيع على المكشوف، فترتفع الأسعار.

حركة الأسهم نهاية العام تتأثر بعوامل أخرى حقيقية، إلى جانب العوامل النفسية والشعبية، ومنها ظاهرة زخرفة الواجهات أو window dressing، التي يقوم فيها مديرو المحافظ الكبيرة والصناديق الاستثمارية بتحسين صور محافظهم المالية بجعلها تحتوي على شيء من الأسهم التي حققت ارتفاعات قوية خلال العام، وذلك بشراء تلك الأسهم بنهاية العام لتظهر أمام العملاء والمراقبين من ضمن مكونات المحفظة، حتى إن كان أداء المحفظة ضعيفا خلال العام.

الفكرة هنا أن كثيرا من المهتمين بأداء مدير المحفظة ينظر إلى مكونات المحفظة ويقيم جودة المدير بامتلاكه تلك الأسهم المتفوقة، وفي الوقت نفسه لعدم امتلاكه أيا من الأسهم الخاسرة بقوة خلال العام.

ظاهرة "زخرفة الواجهات" تجد طريقها كذلك في عمق الشركات حيث تستخدم الظاهرة لتحسين البيانات المالية قبل نهاية العام، ويشمل ذلك تأجيل دفع بعض المستحقات إلى بداية العام الجديد، ليظهر المركز المالي للشركة بشكل أفضل.

إلى جانب تأجيل دفع المستحقات يمكن كذلك تعجيل تسجيل بعض الإيرادات لرفع المبيعات أو الضغط على أصحاب الحسابات مستحقة الدفع لتعجيل الدفع قبل نهاية العام، وعموما تقوم الشركات بجميع ما يمكن عمله بطرق نظامية من أجل زخرفة بياناتها المالية قبل نهاية العام.

كانت هناك عدة أيام هذا الشهر بدت فيها الأسواق متجهة نحو تحقيق انتعاش "سانتا كلوس"، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، وهناك من يعزو ذلك إلى الإعلان المفاجئ لبنك اليابان المتعلق بتغيير السياسة النقدية ليسمح بترك معدلات الفائدة على السندات الحكومية لتصل إلى 50 نقطة أساس صعودا أو هبوطا، في مخالفة واضحة لسياسة الفائدة الصفرية الممتدة لأعوام طويلة.

مصدر القلق أن ارتفاع الفائدة اليابانية قد ينتج عنه سحب أموال المستثمرين من الخارج وتوجيهها نحو اليابان.

لكن لا يبدو أن هذا القلق مبرر والسبب أن حجم الاستثمارات اليابانية في الخارج محدود جدا. على سبيل المثال، يبلغ حجم استثمار اليابان في السندات الأمريكية نحو 5 في المائة من إجمالي حجم السندات الحكومية، ويقل عن 2 في المائة من أسهم الشركات الأمريكية، وتبلغ نسبة الاستثمار في الأسهم الأمريكية من قبل اليابانيين أقل من 1 في المائة من القيمة السوقية للأسهم الأمريكية.

لا نعلم ماذا سيحدث للأسواق هذا العام قبل يوم الميلاد أو بعده مباشرة، لكن من المؤكد أن 2022 مختلف عن الأعوام الماضية في حدة النزول بسبب التغيرات الاقتصادية الكبيرة التي حدثت هذا العام، وأهمها تصاعد معدلات الفائدة بشكل سريع وغير مسبوق نتيجة الارتفاع الكبير في نسبة التضخم، إلى جانب الاختناقات الاقتصادية التي تسببت فيها الحرب الروسية - الأوكرانية.

لو نظرنا إلى عوائد الأسهم الأمريكية منذ 2000، ممثلة بمؤشر S&P لوجدنا أن عدد الأعوام التي انخفضت فيها الأسهم كانت فقط خمسة أعوام، وكان أكبر انخفاض في 2008 بسبب الأزمة المالية العالمية، بينما كان هناك 17 عاما من الصعود، أعلاها كان 2013 بـ32 في المائة.

هذا العام يصل الهبوط حتى اليوم إلى 20 في المائة لمؤشر "أس آند بي"، ويصل إلى 34 في المائة لمؤشر ناسداك، لذا يبدو أن 2022 سيكون الأسوأ منذ 2000، باستثناء 2008. ومع بقاء نحو أسبوع واحد قبل نهاية العام، البعض ينتظر بشغف هل تتحسن قليلا نسب التراجع الحادة هذه، وهل يأتي "سانتا كلوس" أم لن يأتي هذا العام؟

 

 

نقلا عن الاقتصادية