تقييم أرامكو مرة أخرى

08/11/2017 6
عمر المنيع

تظهر بين الحين والآخر عدد من التقييمات لشركة أرامكو في الصحف الأجنبية. أشهر تلك التقييمات ما نشرته بلومبرغ بداية العام الحالي لتقييم "وود مكنزي" الذي أشار إلى أن قيمة أرامكو تبلغ 400 مليار دولار. السمة الغالبة لتلك التقييمات هو أنها تختلف بشكل جوهري عن تقييم حكومة المملكة العربية السعودية الذي يشير إلى أن قيمة أرامكو ستتجاوز تريليوني دولار. كتبت حينها مقالا (في موقع أرقام) لتقييم أرامكو باستخدام نفس النموذج الرياضي الذي تم استخدامه من قبل "وود مكنزي" (نموذج التدفقات النقدية المخصومة)، ورجّحت أن الاختلاف يعود إلى التغير الذي سوف يطرأ على معدل الضريبة، بالإضافة إلى هامش الخطأ في الافتراضات، إذ أن الحكومة السعودية تمتلك معلومات أكثر من المقيّمين.

 لاحقا، انخفض معدل الضريبة من 85% إلى 50%، وذلك يعني أن تقييم أرامكو باستخدام نفس النموذج الرياضي سوف يصبح 1200 مليار دولار تقريبا لأنشطة المنبع. ومع ذلك، فإن التقييم يختلف بشكل جوهري عن تقييم حكومة المملكة الذي يبلغ 2000 مليار دولار. في هذه المقالة ولغرض تفسير ذلك التباين قمت بإعادة تقييم أرامكو مرة أخرى باستخدام نفس النموذج كما في جدول 2، بالإضافة إلى استخدام نموذج التقييم المقارن والذي يعتمد على مكرر الربح للشركات المماثلة كما في جدول 3. 

يعتبر هذين النموذجين أشهر نماذج التقييم المالي وبفارق كبير عن غيرهما من النماذج كما تشير إلى ذلك عدد من الدراسات Bradshaw (2004), and Brown, Call, Clement, and Sharp (2015).

في ظل شح المعلومات، اعتمدت على عدد من الافتراضات التي تم بناؤها على المعلومات المتاحة للعموم. كما أنني استخدمت عدد محدود من المدخلات وذلك لغياب المعلومات التفصيلية أولا، ولأن التركيز على المتغيرات الرئيسية وإن كانت قليلة أكثر وضوحا من جمع عدد كبير من المتغيرات، عملا ً بالحكمة الإنجليزية "القليل كثير" less is more"". وفيما يلي الإفتراضات الرئيسية للتحليل:

1) بلغ متوسط صادرات أرامكو من النفط الخام 7.43 مليون برميل يوميا خلال 2016 والنصف الأول من 2017، وذلك بحسب موقع أرقام.

2) بلغ الاستهلاك المحلي 3 ملايين برميل من النفط و2 مليون برميل مكافئ من الغاز، وذلك بحسب تصريحات لمعالي وزير الطاقة. وقد قمت بحساب الاستهلاك المحلي وذلك لأنه من الأرجح أن تبيع أرامكو النفط والغاز على حكومة المملكة بالسعر العالمي بعد الطرح.

3) تكلفة انتاج برميل النفط الواحد ١٠ دولارات بناء على بعض تقديرات المختصين.

3) سعر البيع المستقبلي لبرميل النفط 80 دولار حسب تقدير وكالة الطاقة الدولية للأسعار في 2020.  

4) تكلفة انتاج الغاز هي ٦ دولارات لكل برميل مكافئ، تم قياس هذا الرقم على شركات الغاز المدرجة في الأسواق العالمية. 

5) السعر العالمي لبيع الغاز هو ١٤ دولار لكل برميل مكافئ حسب تقديرات الخبراء.

6) يبلغ الريع ٢٠٪ من الإيرادات، والضريبة 50% من صافي الأرباح.

7) معدل الخصم 8.62%، وهو مساوي لمعدل الخصم للشركات النفطية (تم استخدام تكلفة الملكية كمعدل خصم بدلا من المتوسط المرجّح لتكلفة رأس المال وذلك لأننا نجهل الهيكل المالي لشركة أرامكو). واذا كانت أرامكوا تستخدم بعض الديون، فإنه من الأرجح أن ينخفض معدل الخصم بسبب اعتقادي بأن تكلفة الإقتراض على أرمكوا تقل عن 8.6%، مما يرفع التقييم.

9) معدل نمو سنوي يبلغ 0.75% للتدفقات النقدية الحرة، وهو مساوي لمتوسط النمو السنوي المستقبلي للطلب العالمي على النفط حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

يجدر التنبيه هنا إلى أن التقييم هو لأنشطة المنبع فقط، ولذلك ينبغي اعتبار علاوة مناسبة عند تقدير القيمة الإجمالية للشركة، وهذا يصعب تقديره في ظل عدم وجود المعلومات الكافية في الوقت الحالي.

بلغ صافي الدخل 105 مليار دولار كما في جدول رقم 1. عند تطبيق نموذج التدفقات النقدية المخصومة نجد أن قيمة أنشطة المنبع للشركة تبلغ 1,334 مليار دولار. نظرا للحساسية العالية لتغيرات أسعار النفط المتقلبة على صافي التدفق النقدي للشركة؛ قمت بعمل محاكاة باستخدام Monte Carlo simulation كما في جدول 2 حتى يتم عرض قيمة الشركة بأسلوب الاحتمالات، والذي يعتمد على التغيرات المحتملة في أسعار النفط.  بحسب هذا النموذج؛ بلغت احتمالية تجاوز قيمة أنشطة المنبع للشركة لسقف 2 ترليون دولار 6% فقط. من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة مع ارتفاع حصة الديون لدى الشركة. 

على الجانب الآخر، عند تقييم أرامكو باستخدام نموذج التقييم المقارن (وذلك عن طريق مقارنة مكرر الربح المستقبلي لشركات النفط العملاقة في العالم كما في جدول 3) نجد أن قيمة الشركة ارتفعت بشكل كبير لتصبح 2,026 مليار دولار. قمت هنا أيضا باستخدام أسلوب المحاكاة حتى يتضح التوزيع الاحتمالي لقيمة أنشطة المنبع لأرامكو، وذلك حسب التغيرات المحتملة في مكررات الشركات المقارنة. بحسب نموذج التقييم المقارن؛ فإن هناك احتمال بنسبة 47% بأن تبلغ قيمة أنشطة المنبع 2 تريليون دولار أو أكثر. 

 في كلا النموذجين افترضت أن مستوى المخاطر في الشركة يتساوى مع الشركات تحت المقارنة. تجدر الإشارة إلى أن المخاطر المتعلقة بأرامكو (من وجهة نظر المستثمر الأجنبي) قد تكون أعلى بسبب الظروف الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت المملكة العربية السعودية الأكثر استقرارا في المنطقة ولله الحمد.

من ناحية أخرى، فإن التقييم بشكل عام ينبغي أن لا يعتمد على الأرقام فحسب، وإنما هو مزيج من الأرقام والمعلومات الوصفية التي لا يمكن ترقيمها واستخدامها في النماذج الرياضية. تعمل أرامكو لأن تصبح الشركة الرائدة في الطاقة على مستوى العالم، ولها خطة استراتيجية لذلك، وهذا ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند التقييم، كما أن لها مشاريع مختلفة عن أنشطة المنبع، منها على سبيل المثال لا الحصر مشروع صدارة للبتروكيماويات. كما أن شركة أرامكو أظهرت عبر السنين كفاءة عالية في تنفيذ وإدارة المشاريع النفطية وغير النفطية. إضافة إلى ذلك، فإن لدى أرامكوا ميزة نسبية جوهرية، تتمثل في أنها المنتج الأقل تكلفة بين كبار المنتجين. جميع تلك العوامل ترجّح تفوق شركة أرامكو على الشركات تحت المقارنة، مما يزيد من احتمالية تجاوز قيمة أرامكو مستوى التريليوني دولار. 

يتضح أن هناك بون شاسع في قيمة أرامكو باستخدام النموذجين. بشكل عام يفضل المقيمون الماليون استخدام نموذج التدفقات النقدية المخصومة، لأنه يبدو منطقيا، فهو يقارن بشكل مباشر بين العائد المطلوب من المستثمر وبين التدفقات النقدية للمشروع. ولكن ما يعيب هذا النموذج هو اعتماده الكبير على عدد من الافتراضات كمعدل الخصم ومعدل النمو وكذلك التدفقات النقدية، وخصوصا في النشاطات الاقتصادية المتقلبة كقطاع النفط. 

على الجانب الآخر يعتمد نموذج التقييم المقارن على مبدأ "القيمة الواحدة"، وهذا يعني أن قيمة أرامكو السوقية عند الاكتتاب ينبغي أن تكون مساوية للقيمة السوقية للشركات المشابهة، مع الانحراف عنها قليلا نظرا لبعض جوانب الاختلاف بين الشركات. كما يتميز نموذج التقييم المقارن بأنه أكثر قدرة على عكس النظرة الحالية للمستثمرين حول مستقبل القطاع. 

خلاصة القول، وبناء على المعطيات السابقة والمعلومات المتاحة للعموم، فإنه من الأرجح أن قيمة أنشطة المنبع لأرامكو ستتراوح ما بين النموذجين. وعند اعتبار الأنشطة الأخرى للشركة؛ فإن متوسط القيمة الإجمالية لأرامكو مرشحة لأن تتجاوز التريليوني دولار، وهو ما يتوافق مع تقديرات الحكومة لقيمة الشركة. 

 
 
 
 
 
 
 
خاص_الفابيتا