قصة قصيرة عن العلاقة بين المنافسة والابتكار

03/04/2018 0
د. عبد الكريم قندوز

عادة ما يكون موضوع الابتكار من الموضوعات الشائعة في مجال الإدارة، وبحكم تخصصي في المالية، فقد دفعني اهتمامي بموضوع الهندسة المالية والذي هو أقرب ما يكون لمعنى الابتكار المالي، دفعني للقراءة والاهتمام بموضوع الابتكار في القطاع الحقيقي (غير المالي). والموضوع في الحقيقة متشعب كثيرا، غير أن جزئية استوقفتني أردت أن أشاركها مع القراء، وتتعلق بتأثير المنافسة وكيف تحفز الابتكار، لكن قبل أن أذكرها دعونا نعرج قليلا على أهمية الابتكار.

الابتكار: بناء وهدم

يدعم الابتكار النمو الاقتصادي. وإدراكا من عديد الحكومات لأهمية الابتكارات في دعم النمو الاقتصادي، نجد أنها تشجع الاستثمار في البحث والتخطيط من خلال الاعفاءات الضريبية على الانفاق على الابتكار. في بعض الحالات، فإن أثر الابتكار لا يكون فقط جوهريا وإيجابيا على قطاع اقتصادي معين، بل يغير الاقتصاد ككل وبشكل أساسي. عادة ما يتم تسمية هذا النوع من الابتكارات الجوهرية بالتكنولوجيا ذات الغرض العام (General Purpose Technologies) وهي تتميز بخصائص عدة كانتشارها الواسع عبر عدد كبير من القطاعات، وتتحسن مع مرور الوقت، كما أنها تؤدي إلى سلسلة من الابتكارات في شكل منتجات وعمليات جديدة، ومن أفضل أمثلتها: الكهرباء، الانترنت...

وعلى الرغم من أهمية التكنولوجيا ذات الغرض الخاص، إلا أنها تعتبر مدمرة أو هدامة، غير أن تدميرها يسمى: (التدمير البنّاء) لأنها تغير الهيكل الحالي للسوق تغييرا أساسيا، فعلى سبيل المثال أدى ظهور المصباح الحديث إلى تدمير صناعة الشموع، وظهور الهواتف الخلوية إلى تدمير صناعة الهواتف السلكية، وظهور الانترنت إلى تراجع الراديو والتلفزيون...وهكذا

وتعتبر العلاقة المركبة والمعقدة بين كل من الابتكار والمنافسة والاستثمار مهمة للاقتصاديات المعاصرة. السياسات التي تؤثر على أي واحدة من العناصر الثلاثة السابقة، تؤدي إلى تأثير ولو غير مرئي على العناصر الأخرى.

فعلى سبيل المثال، من دون منافسة، فإن المحتكر أو محتكر القلة لن تكون لديه حوافز للابتكار، ولا دوافع لطرح أو إدراج منتجات وخدمات جديدة أو محسنة للسوق، وهذا في الحقيقة يعتبر أحد عناصر القلق لدى واضعي السياسات حيال وضعية الاحتكار التي تحاول بعض المؤسسات الوصول إليها.

القصة:

من الأمثلة البارزة على أهمية المنافسة في الابتكار، نجد مثال الشركة الأمريكية للهاتف والبرق (AT&T) والتي تعتبر المحتكر التاريخي لسوق الاتصالات الأمريكية، حيث تم كسر حالة الاحتكار تلك سنة 1984. قبلها كانت الشركة تحدد لوحدها اتجاه قطاع الاتصالات ككل بما في ذلك تطوير الأنظمة والبنى التحتية الجديدة. ومن الأمور التي تغيب عن الكثير منا أن تطوير الهواتف الخلوية (الهاتف الجوال) تم خلال سنوات الأربعينيات من القرن العشرين بالولايات المتحدة الأمريكية من طرف مخابر بل (Bell Labs) وإن كان لأغراض خاصة، وكان سبب تأخر انتشارها هو شركة (AT&T) نفسها، حيث كان القائمون على الشركة يعتقدون أن السوق غير كاف لاستيعاب هذا النوع من الابتكارات وبالتالي فكان استثمارها في تطوير الهواتف الخلوية والبنية اللازمة لها ضعيفا جدا، وكانت تقديرات الشركة تشير إلى أن السوق العالمية للاتصالات المتحركة سيصل 1 مليون شخص سنة 2000م. سنة 2000 كان عدد الأشخاص الذين يمتلكون هواتف خلوية 750 مليون شخص عبر العالم. بعد كسر احتكار شركة (AT&T) لسوق الاتصالات أطلقت شركة موتورولا (Motorolla) أول هاتف خلوي واسع الانتشار وكانت نقطة تحول في قطاع الاتصالات العالمية أوصلته إلى ما هو عليه اليوم.

خاص_الفابيتا