معهد أكسفورد لدراسات الطاقة ... ودس السم في العسل "2"

06/04/2017 16
د. فيصل الفايق

بعد كتابة الجزء الأول من هذا المقال تنوع التفاعل وأخذت الردود أشكالا بين متشنجة مستنكرة وهادئة مستفسرة، وأخرى مؤيدة داعمة تدفع للمزيد من المساهمة في توعية الرأي العام عن أكبر مصدر للنفط في العالم وثقافة نفطية لكل فئات المجتمع.

أقدر وباهتمام بالغ كل هذه التفاعلات، والسلبية منها قبل الإيجابية، لما لذلك من دلالة واضحة على نمو الاهتمام بهذا الجانب الذي كان ولوقت قريب محصورا بين فئة النخبويين في نطاق ضيق جدا، فنحن بحاجة ماسة إلى نقل الثقافة النفطية من ثقافة نخب إلى وعي مجتمعي شامل لأن ذلك سيحقق –بإذن الله- أحد أهم ضرورات المرحلة، وهو ما سيولد الوعي اللازم لاستيعاب التصحيح الاقتصادي  المستهدف، بطريقة تضمن تحقيق أعظم المكاسب.

قد لاحظت كما لاحظ غيري إلى أي قدر بلغ تجذر الإعلام النفطي الغربي في تفكيرنا، حتى أصبح البعض لا يقبل أن يسمع مجرد سماع رأيا مخالفا له، رغم علمنا أن غالب مراكز البحث الكبرى قد تكون أذرع مهمات خاصة لتنفيذ أجندات مختلفة، وأصبح البعض لا يتقبل مجرد التنبيه على أن هذا الاتكاء على العلم ليس إلا مهدئ موضوعي لتمرير جرعات قوية التأثير بعيدة الأثر.

ولكم أن تتسألوا لماذا لم يأتي هذا الرفض والمقاومة عندما كان الحديث عن مؤسساتنا الوطنية؟!

قد ذكرت ما استقر لدي، وقد صرحت بكل وضوح أنه قد يكون في تقرير "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة" مايستفاد منه، وعنونت له بما يفيد ذلك، وقد حاولت اقتباس بعضا مما تحدثت عنه من باب الاستشهاد،  ولا استطيع أن انتقد علميا ورقة معهد اكسفورد لاعتمادها أصلا على تجميع مقالات إنشائية في مهاجمة توجهات المملكة -في الغالب- نشرت على مدى عام كامل.

قطعا لايمكن أن يكون من قبيل الصدفة أن المراجع التي استند إليها التقرير هي إسهامات للصحفيين ولكتاب غربيين كثيرا ما انتقدوا وهاجموا سياسات المملكة بمقالات عديدة موجودة ومثبتة! فإذا تبين لكم ذلك، ربما نتفق على أن الحديث عن مطالبتي من البعض بالموضوعية فيه افتراض كثير من المثالية، التي يجب أن نعمل بها قبل أن نحاول فرضها على الآخرين!

ولذلك قد انطلقت في كتابة مقالي مما ترسخ لدي عبر قراءات يجمع بعضها إلى بعض ومنها تقرير أكسفورد هذا بأن الأمر فيه بعض محاولة ترسيخ واقع معين لدى المتلقي، وذلك عبر سرد يرد فيه وبتركيز ما يشبه اليقين العلمي أو المشهور الشائع، الذي لا يسع منصفا إلا قبوله، وهذا أسلوب مستخدم لدى الجهات التي تتفنن في الخداع والتمويه، وأحيانا التزييف. أسلوب يستخدم لدفع الرأي العام المستهدف نحو تبني فكرة أو مقاطعتها، وهو أسلوب "مغالطة" قد ينطلي على الكثيرين، أقول هذا بعيدا عن الركون إلى "نظرية المؤامرة."

عراقة وتاريخ "معهد أكسفورد"، وحجم الشخصيات التي قدم لها الاستشارات والدراسات، ليس هو محل البحث، فلابد من تحرير محل الخلاف قبل الخوض فيه، فالقدم والعراقة والخبرة، بل وحتى المعرفة لا تمنع من تضليل الآخرين، بخلاف المصداقية المطلوبة، فلا تلازم بين الأقدمية والقدرة على المنهجية العلمية، وعدم التسييس والخروج قصدا عن الحقيقة إلى هدف معين، لان الحقيقة بالنسبة لهم هي خدمة أهداف أجنداتهم، وضمان حصولهم على أفضل الخيارات.

قد يكون معلوما لدى الجميع أن في بعض واقعنا اليوم مزاج اندفاع إلى قبول أي تقليل حول ما ينشر كتوجه نحو التغير، وهو أمر له مسوغاته التي قد يكون بعضها مقبولا، ولكن مهما يكن من شيء فلست ممن ينبهر بما يرد من قبل هذه المراكز إلى حد قبوله جملة لا لشيء إلا لأنه من مركز عريق، فالعراقة لا تمنع من خدمة أهداف تلك المراكز وتوجهاتها التي قد لا تخدمنا، بل قد يكون بعض أعمالها مما يمكن أن يخالف أهدافنا الوطنية، وحتى وإن رأى البعض أن الحق مع ما ذهبت إليه "ورقة أكسفورد"  وأنها صواب كلها، أو حتى رأى فائدة في تزكية مقدميها، فلابد أن تكون الورقة هي محل النقاش، وليس مجرد رأي فيها.

اختتم معهد أكسفورد ورقته بهجوم مبطن على سياسات المملكة قائلا:

((وأخيرا يجب على صناع القرار السعوديين ألا ينسوا أن الهدف الرئيس من الطرح هو المساعدة في تسريع تنويع الاقتصاد اللازم لاستحداث الوظائف التي تشتد الحاجة إليها. إن التعامل مع الطرح كأداة للتنويع المالي، وايجاد قوة مالية لابد أن يجلب الكثير من خيبة الامل والاستياء، ما يمثل فرصة أخرى ضائعة؛ لكنها هذه المرة ربما للأبد!)).

وتساءلت كثيرا لماذا لم نلحظ مثل هذا الهجوم المبطن من معهد أكسفورد على إيران في تقرير سابق لهم صدر في يناير 2017 تجاوز كل الأعراف عندما تعاطف كثيرا مع ايران وناقش تأثير العقوبات الإقتصادية عليها وكأنه يبرز إقتصاد إيران قويا لولا تلك العقوبات، متجاهلا كثيرا من الحقائق عند تقديم هذه الدعاية للإقتصاد الإيراني، ويحق لنا أن نطرح هذه التساؤلات:

•  لماذا حالة الاستنفار هذه لنفخ الروح في جسد الإقتصاد الإيراني المحتضر الذي قتلته معاول حماقات ساساته، وأكلته ديدان الفساد؟!

•  لماذا لم يظهر تقرير معهد اكسفورد ان ايران تقبع في المراتب المتأخرة ال 180 من أصل 187 دولة في أعلى معدلات التضخم في العالم؟!

•  لماذا لم يطرح تقرير المعهد المعضلات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الايراني من تدهور في العملة، والازدياد المضطرد في البطالة، والفساد الاداري والمالي، والمشكلات المستعصية الكبيرة الاخرى؟!

•  لماذا لم يناقش معهد أكسفورد المرتبة المتأخرة لإيران ال 136 من أصل 168 في مؤشر الفساد العالمي؟!

•  لماذا لم يناقش معهد أكسفورد عمليات الاحتيال الممهنجة التي طالت جميع القطاعات وجميع الأطراف الإيرانية؟!

•  لماذا لم يجمع معهد أكسفورد مقالات سلبية عن إيران ويشملها في ذلك التقرير المتعاطف مع دولة تعد حاضنة للإرهاب؟!

• لماذا ولماذا ولماذا؟؟!!

سأختم بالتأكيد على أني أهدف بالدرجة الأولى إلى إيضاح أن ما ورد في ورقة "معهد أكسفورد"، فيه ما يجب التحذير من قبوله كما هو، وأننا اليوم في مرحلة بدأت تكشر فيها كثير من الجهات لنا عن أنيابها بعد أن تم إنهاء الارتباط بها، ومن هذه الجهات ما يستعمل كل السبل التي قد تصل إلى محاولة الابتزاز للتأكيد على أن خطوة الاستغناء عنها غير حكيمة وأننا سنخسر كثيرا بسبب هذا التحول.

ونقول لمعهد أكسفورد وغيره أن سياسات المملكة حكيمة متزنة لن تنجرف مع المهاترات والمساومات السياسية لأننا لا نتأثر بمعلومات مضللة لخدمة أجندات باتت مفضوحة.

خاص_الفابيتا