هل يفضل السعوديون الوظائف الحكومية؟

29/09/2016 4
د. إحسان بوحليقة

خلال اليومين الماضيين، طغى الحديث عن إلغاء كم كبير من بدلات موظفي الحكومة، واجتهد كثيرون في تخمين المبررات والدوافع. ورغم أهمية ذلك، إلا أن موضوعنا اليوم ليس له صلة بتلك القرارات، بقدر ما له صلة بأهمية رفع كفاءة القطاع الحكومي إجمالا؛ فالانطباع العام -والانطباعات خداعة- أن دوام العمل في الإدارات الحكومية «خفيف»، وأن إنتاجية الموظف فيها أقل من نظيره في القطاع الخاص.

وبدأت تتداول مؤخرا تقارير مفادها أن هناك جهدا لمساواة عدد ساعات العمل في القطاعات كافة، بما فيها الإدارات الحكومية، لتصبح 40 ساعة في الأسبوع، من حيث المبدأ، من المتوقع أن تساهم هذه الخطوة إذا ما تحققت في إزالة أحد التشوهات في سوق العمل السعودي، والمتمثل في تباين مزايا العمل بين الحكومة والقطاع الخاص، وهذا التفاوت يجعل البعض يتجه للعمل في الحكومة، ليس بحثا عن تحقيق ذاته والتنافس مع أقرانه لتقديم الأفضل، بل ليبتعد عن الضغوط وليمارس عملا روتينيا محدود المتطلبات!

ومع صدور الرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني ومبادراته المتعددة، علينا الإقرار أننا بحاجة لدراسة منهجية رصينة تضع النقاط على الحروف فيما يتصل بإنتاجية العامل في القطاعات والأنشطة المختلفة، بل وحتى في المدن على تفاوت مواقعها وأحجامها.

والمؤمل أن تلك الدراسة قد تجعلنا نطوي صفحة الحديث عن إنتاجية العامل في القطاعات انطلاقاً من انطباعات، قد لا تكون منصفة، كالقول إن إنتاجية موظف الحكومة «نصف ساعة»؟ وإن لم تك نصف ساعة في معدلها، فما مقدار انتاجيته؟ وما تفاصيلها؟ وهل تتفاوت من موقع جغرافي لآخر، ومن دائرة حكومية لأخرى، وهل لتقنية المعلومات تأثير في خفض أو رفع تلك الإنتاجية؟ وما أتحدث عنه ليس دراسة تنظيرية في الأساس، بل دراسة ميدانية شاملة.

وأعود هنا لأكرر ما سبق أن ذكرته قبل أشهر عن أهمية إطلاق مركز قياس أداء القطاع الحكومي، من خلال وضع منهجية قياس ورصد مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs).

تجدر الإشارة الى أن مجلس الوزراء الموقر أقر مركز القياس العام الماضي (2015).

وليس القصد من كل هذا إثبات أن إنتاجية الإدارات الحكومية أدنى أو أعلى مما هي عليه في القطاع الخاص، بل معرفة حقيقتها واقعا، ومن ثم اتخاذ الخطوات الضرورية للتأكد من أن إنتاجية الجهاز الحكومي في المملكة تتطور وترتقي وصولا لنظيراتها في مجموعة العشرين.

ومن الأهمية بمكان اتخاذ خطوات عملية للتأكد أن الإدارات الحكومية قادرة على النهوض بالبرنامج التنموي الهائل الذي تسعى الحكومة القيام به من خلال الانفاق الكبير على مجالات مَسيسة الصلة بالمواطن كالصحة والتعليم والمرافق كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والنقل، على سبيل المثال لا الحصر؛ فالأمر - كما ندرك جميعا- يتطلب مقدرات إدارية ومهنية قادرة على مواكبة التحدي التنموي، ليس من خلال استقطاب خبراء واستشاريين ليقوموا بالأعمال التنفيذية لفترة مؤقتة ثم يختفون، ولكن عبر تطوير كوادر بشرية مواطنة قادرة على اختزان الخبرة وتطويرها ونقلها إلى من سيأتون لاحقاً.

وقد يكون من الاجحاف اختزال فروق العمل بين الحكومة والقطاع الخاص في عدد ساعات الدوام، فعلى الرغم من أهمية المواءمة بين ساعات الدوام، تبقى قضية التحفيز هي الأساس لاستخلاص أفضل ما في الموظف، والتحفيز يعني قياس الأداء ليس فقط من خلال المواظبة على الدوام حضورا وانصرافا، ولكن كذلك بما يضيفه الموظف أثناء الدوام، إذ لابد من تشجيع الموظف على أن يقدم أفضل ما عنده، وأن تلك هي الطريقة الوحيدة لحصوله على مزايا مالية إضافية وعلى الترقيات والتكريم، وأن كل ذلك مرتبط ليس برضا الرئيس، بل برضا «الزبون» (أو كما يعبر عنه باللغة الرسمية «المستفيد»، أي متلقي الخدمة).

وبذلك سنجد أن البوصلة ستتحول في اتجاه الاهتمام بالمستفيد والسعي لخدمته بشتى الوسائل، ولن يصبح ذلك هدف موظف منفرد، بل لابد أن تتمحور وظيفة الأجهزة الحكومية حول هدف خدمة المستفيد.

ولابد من الإشارة إلى أن الجهاز الحكومي لابد أن يرتقي باستمرار بأدائه والسعي للاستفادة من التعاملات الالكترونية لرفع انتاجيته، إذ إن رفع الكفاءة سيعني ان عددا أقل من الموظفين سيقوم بالعمل، وهذا مهم في تقليص حجم الجهاز الحكومي، ما سيساهم في تحقيق هدفين مهمين: تزفير انفاق الحكومة على نفسها (البابان الأول والثاني)، والأمر الثاني فسح المجال لمزيد من المواطنين للعمل في القطاع الخاص، للتخفيف من الاستقدام وفاتورته المُكلفة.

نقلا عن اليوم